رئيس التحرير/
حبٌّ من طرفٍ واحد
أيام الشباب، وياليتها تعود يوماً، كانت هوايتي كتابة رسائل الحب.
بعضها كنت أرسله لمن أحب حقاً وبعضها الآخر كنت أكتبه في سبيل التسلية وقضاء الوقت ولم أرسله لأحد. لكن بعضاً ثالثاً من هذه الرسائل كنت أكتبه نيابة عن أصدقاء عشاق لكنهم لا يجيدون كتابة رسائل الحب. وكان هذا من أطرف وأصعب الواجبات، إذ كان عليّ أن أتقمص دور العاشق الولهان من دون أن أرى أو أعرف من هو المعشوق بالتحديد.
وكنا في تلك الأيام الخوالي نكتب هذه الرسائل على أنواع خاصة من الورق جميلة وأنيقة، منها ما هو ملوّن ومصقول ومنها ما كان يحمل صوراً ورسوم طيور وزهور. وكان أكثرها تفضيلاً واستعمالاً الورق الذي يحمل صورة قلبين تخترقهما سهام العشق.
ومن كثرة الطلبات التي كانت تأتيني من أصدقاء يريدون تدبيج رسائل الحب لصديقاتهم صرت أبيع تلك الرسائل لهم أو أحصل على هدايا مقابل كتابتها.
وغالباً ما كان هؤلاء الأصدقاء يتجنبون تعريفي على صديقاتهم أو كشف أسمائهن لي تحسباً لأية ألاعيب قد أقدم عليها.
وكما أتذكر، فقد أسهمت برسائلي تلك بإدامة علاقات حميمة بين أصدقاء وصديقات توِّجت بالزواج، فيما انتهت رسائل أخرى بمعارك ومشاجرات لأنها وقعت بيد أشقّاء وآباء بنات محصَنات.
ولا أخفي أنني صرت في مرة من المرات خبيثاً مع صديق أغاظني فأخبرت عشيقته بأنني أنا من يكتب لها رسائل الحب وليس المدعو فلان، وبعثت لها لإثبات ذلك بنسخ من تلك الرسائل فصدقتني. وتكفلت هذه المعلومة الخبيثة بتفجير فضيحة انتهت على إثرها علاقة الحب تلك.
وفي مرة أخرى ارتكبت خيانة أكبر مع صديق استأمنني وعرفني على من يحب وكانت شابة جميلة جداً، ما أن رأيتها حتى لعب الفأر في عبّي وبدأت أبعث لها الرسائل الغرامية باسمي وليس باسمه كما طلب مني ذلك. ولم يصدق الصديق الغافل عندما ظفر بنا بعد أسابيع جالسَين معاً تحت شجرة في متنزه الأعظمية.
ولم يسلِّم ذلك الصديق بالأمر الواقع وظل يحاول استعادة صديقته من بين براثني حتى تمكن من ذلك فعلاً عندما علمت الصديقة بصدق مشاعره نحوها وبمسؤوليتي عن المكيدة التي أوقعتهما فيها.
أكتب عن تلك الأيام الخوالي، أيام السبعينات بشغف وحسرة عندما أقارنها بهذه الأيام الجرداء، فقد كانت مليئة بالحكايا، وكانت رسائل الحب تلك غاية في الأهمية للمحبين، لكن اليوم لم يعد يطلب مني الأصدقاء كتابة مثل هذه الرسائل نيابة عنهم، فقد كبرنا وحل الموبايل والبريد الإلكتروني محل رسائل الحب وكسدت بضاعتنا.