رئيس التحرير/
المستقبل يُكتب لا يُقرأ
في ربيع العام 1971 حصلت على وظيفة في وزارة العمل، وبعد بضعة أشهر فُصلت من تلك الوظيفة لأسباب لا أزال، حتى الآن، أجهلها. المهم في أيام البطالة تلك كنت أتسكع مع صديق في منطقة الباب الشرقي، وكانت هناك محالّ عدة لقراءة الكف والحظ والمستقبل. دخلنا واحداً منها، بين الجد والهزل، فاستقبلنا صاحب المحل بالأبخرة والدعوات. كان محله مليئاً بالمرايا والانتيكات والخزعبلات. وبعد أن سألني عن مشكلتي قلت له أنني مفصول من العمل وأريد أن أعرف هل سأعود إذا قدمت طلباً جديداً أم لا؟. فأخذ كفي وراح يتفرس بها ويقلبها بمهارة طبيب جلدية، ثم قال لي بقناعة تامة: هناك إشارتان في كفّك، الأولى تقول أنك ستعود إلى الوظيفة والثانية تقول أنك لن تعود… والباقي على الله! سحبت كفي من بين مخالبه وهممت بالخروج من دون أن أدفع له الأجرة، فقال لي بانزعاج: يبدو أنك لا تؤمن بإرادة الله؟ قلت له نعم أؤمن، ولكن الوظيفة في وزارة العمل.
منذ ذلك اليوم تأكدت أن قراءة المستقبل خرافة وأن هؤلاء مجرد نصابين لا أكثر. وكما أذكر، كان في دمشق، حيث كنت أعيش، قارئ كف متجول لكنه كان مدهشاً في شكله وطبيعة تصرفاته. كنا نصادفه بين حين وآخر، في مقاهي دمشق، وفي كل مرة يرانا فيها يجلس دقائق قليلة إلى طاولتنا، وقبل أن ينهض ليغادر، يقترب مني ويهمس في أذني العبارة التالية: أنت محظوظ… ستحصل على ما تريد! وكلما مرت السنوات كانت أوضاعي تتدهور وتتراجع.
وفي مرة من المرات أمسكت بذلك الساحر من ياقة سترته وهمست بأذنه: قل لي متى سأحصل على ما أريد؟ فضحك وقال: عندما تقرر ذلك!
لم أنس أبداَ تلك العبارة السديدة التي علمتني، من يومها، أن المستقبل لا يُقرأ إنما يُكتب. لقد كان ساحراً حقيقياً وليس نصاباً مثل أقرانه.