رئيس التحرير/
أيام الحنين
كانت الحياة في سوريا مطلع الثمانينات تجري بهدوء وانسيابية كما يجري نهر بردى الشهير الذي يتدفق من نبع عين الفيجة شمال غرب العاصمة ليخترق دمشق ويصب في “غوطة الشام” جنوباً وهي من المناطق السياحية الساحرة بخضرتها وجمال موقعها.
حتى الأحداث الدموية الشهيرة التي شهدتها مدينة حماه في العام 1982 لم تعكر صفو الحياة في البلد وفي دمشق خاصة، إذ لم يكن بالإمكان معرفة ما جرى في حماه حينها، فلم تكن هناك فضائيات ولا إنترنت ولا أية وسيلة إعلام تنقل تلك الأحداث التي أسدل عليها الستار بعد أسابيع من وقوعها.
كانت سطوة النظام الأمنية حينذاك شديدة القسوة، لكنها لم تكن ظاهرة محسوسة إلا في أوساط المعارضة التي كانت ترفع شعارات إسقاط النظام مثل الإخوان المسلمين والشيوعيين اليساريين وما يطلق عليهم جماعة صلاح جديد. أما بالنسبة لنا، نحن المهاجرين العراقيين الذين كنا نعيش في دمشق خاصة وفي مدن ومحافظات سورية أخرى، فقد كانت الحياة تمضي بنا بيسرٍ وسهولة، فقد حصل الكثيرون منا على فرص عمل في الصحافة الفلسطينية واللبنانية وحتى السورية. ومن الناحية السياسية كانت شتى أطراف السلطة والمعارضة تكنُّ لنا الاحترام وكنّا نتجنب التدخل في الشؤون الداخلية للبلد برغم علاقاتنا بهذه الأطراف.
وعلى وجه السرعة نسج المهاجرون العراقيون شبكة من العلاقات والصداقات مع سوريين كثر كانوا في الغالب من الوسط الثقافي والأدبي من أبرزهم ممدوح عدوان وعلي الجندي ومحمد الماغوط وأدونيس وأحمد يوسف داوود ونبيل سليمان ونزيه أبو عفش وسواهم.
وبالرغم من حاجتنا للعمل مع المؤسسات الإعلامية والثقافية السورية فقد كنا نتردد بالدخول في المشهد السياسي الرسمي وتفرعاته. فنحن قادمون من بلد يحكمه البعث الذي هربنا من بطشه في العراق إلى بلد يحكمه الحزب نفسه. لكننا كنا نرى بعض الفوارق، أو الكثير منها في الواقع، بين النظامين. بين سياسة دموية باطشة ينتهجها صدام حسين وسياسة مرنة وغير دموية ينتهجها حافظ الأسد.