رئيس التحرير/
من يردم الهوة
في الأربعينيات والخمسينيات، كانت حلانة التمر أحسن هدية، أما تنكة الدهن الحر فتهي بهي.. وكان العراقي إذا ذهب للتعزية بوفاة أو للتهنئة بزواج، يأخذ معه الحلانة أو تنكة الدهن، وإذا كان ممن “الله منطيهم” يأخذ معه خروفاً يجرجره القصاب حتى باب الدار ثم ينحره عند الدكة أو في ساحة الفاتحة أو العرس. (هذا كان في أيام الفقر حيث لانفظ ولا خيرات مكتشفة بعد). وفي السبعينيات، عندما بدأ النفط يتدفق ذهباً ودولارات، صار الناس يقدمون الورود وعلب الحلويات كهدايا في المناسبات، أما صدام حسين فقد رفع من قيمة الهدية فصارت سيارة مرسيدس أو قطعة أرض. ويتذكر العراقيون آخر ابتكار لصدام، على هذا الصعيد، وهو تقديم براميل نفط كهدايا لزوار العراق، ممن يأتون للتضامن مع الشعب العراقي في محنة الحصار فيعودون وهم يشعرون بـ “محنة” بيع هذه البراميل.
ولمعالجة هذه المشكلة تحولت فنادق الدرجة الأولى في بغداد يومذاك إلى مزادات لبيع وشراء النفط، يذهب المهربون إلى هناك وتبدأ المساومات مع ضيوف الحزب والدولة، هذا يبيع البرميل بخمس دولارات وذاك بعشرة، وفي النهاية يتسلُّم الضيف ما مخصص له من كمية النفط ويقبض الدولارات ويعود إلى دياره سالماً غانماً.
اليوم تطورت الهدايا أيضاً فصار العراقي يأخذ معه ثلاجة أو غسالة أو تلفزيون، وهو ما يعني أن أحوال الناس أصبحت أفضل من الناحية المادية، لكن المصيبة أن الفوارق الاجتماعية تفاقمت الى درجة لا تصدق، فأصبح هناك من يقبض الملايين من الدنانير شهرياً وهناك ملايين لا يستطيعون توفير لقمة الخبز لأولادهم. من يردم هذه الهوة.. الحكومة طبعاً.