كينتشوغي عراقي

نرمين المفتي /

وأنا أبحث على اليوتيوب عن كيفية تصليح التحفيات الفخارية، توقفت عند فيديو (تصليح الفخاريات في اليابان). شاب بين يديه قطع لصحن فخاري مكسور، ينظف أطرافها، يجففها، ومن ثم يذيب تراب الذهب ويمزجه بمواد لاصقة و يعيد الصحن كما كان والشروخ يغطيها الذهب، واسم هذه العملية (كينتشوغي) وأساسها أن يكفّر المرء عن ذنب كسر صحن او منحوتة وأن يعرف قيمة البشر الذين هم أغلى من الفخار..

قبل أن أشاهد الكينتشوغي، لطالما حزنت على تحفيات تكسرت سهواً والغالية منها صلحتها ولكن شروخها استمرت تبدو حزينة كقلب مشروخ ممتلئ أسىً.. الياباني الذي يعلّمونه منذ صغره أن يصلح حتى صحن رخيص ومتوفر في الأسواق بالذهب، إنما يعلّمونه حين يكسر قلب إنسان، فإن الشرخ سيبقى، لكن الذهب الذي يغطيه يجعل الإحساس بالوجع أقل.. وذهب تصليح القلب هو الاعتذار والكلمة الطيبة ومحبة كبيرة.. أدور يميناً ويساراً وأجدني كباقي العراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة في خضمّ مشاكل و قضايا لا ناقة لهم فيها ولا بعير، وإن وضعنا الفساد والوعود غير المنفذة ومصالح الكتل خلف ظهورنا، من المستحيل أن نضع وحدة العراق أرضاً وشعباً خلفها، هذه الوحدة المهددة، مرة أخرى لا لشيء، إنما لأن هذه الكتلة او غيرها لم تكتف من المكاسب وتريد غرف المزيد وتعرف مسبقاً أن الكعكة أصبحت فتاتاً. إن الذهب الذي نحتاجه لملء شروخ العراق يبدأ بأن يعود الانتماء الى العراق أولاً قبل أي انتماء آخر.

إن المحاصصة المقيتة التي حولت العراقيين الى مكونات و حولتهم في الإعلام الى مذهبين وقومية واحدة، أوهنت الانتماء الوطني وجعلت الانتماء المذهبي والإثني و العشائري هو الأقوى، ولم يكن أمام العراقي الذي فقد صفته كمواطن وأصبح فرداً من مكوّن، إلا أن ينتمي الى مكوّنه او عشيرته. أربع عشرة سنة من المحاصصة والتفرقة جعلت العراق بلداً وليس وطناً، وجعلت أحلى شباب العراق شهداء أبطال سعداء رغماً عنهم بدل أن تجعلهم أبطال حياة، و جعلت الصغار إما في الشوارع أو في المخيمات او مهجرين من دون ان يعرفوا لوناً لحلم.

إن شروخ قلب العراق وقلوب العراقيين امتلأت أسىً وفقداناً، آن الأوان لتصليحها بالذهب، لابد ان نبدأ، قد نفشل في الخطوة الأولى، لكننا لن نتراجع، إنه دفاعنا عن حياتنا ودفاعنا عن عراق لابد ان يعود وطننا جميعاً من دون تقسيم وانفصال.. ليكن الكينتشوغي اُسلوب حياتنا لفترة وستثمر جهودنا بإذن الله.