كُن مسؤولاً..

عبد المنعم الأعسم

الشعور بالمسؤولية يبدأ من الطفولة، إنْ لم يتعلم الطفل أبجديات المسؤولية حيال الآخرين (مساعدة أعمى يعبر الشارع مثلاً، أو الشجاعة في قول ما يراه صحيحاً)، فإنه لن يتعلمها صبياً، أو راشداً.
في برنامج تلفزيوني أميركي عنوانه “علّمي طفلك المسؤولية” ثمة حوار ذو مغزى مع طفل (لم يكن ذكياً بالضرورة) عن رأيه في رئيس حكومة ولايته، يقول: لا أحبه. لماذا؟ (تسأله مقدمة البرنامج) يقول: “إنه يتكلم كثيراً. ويعِد كثيراً، ويفزعني حين يطوّح بيديه كثيراً وهو يخطب”.
المسؤولية علم. من مسؤولية إدارة أسرة الى مسؤولية إدارة حكومة. ومنذ أكثر من مئة عام، بدأ علم الإدارة والمسؤولية يغزو المعاهد والأكاديميات ورفوف الكتب، حتى أن العالم الفرنسي (سان سيمون) فضّل أن يشحذ شعوره بالمسؤولية دائماً، إذ أملى على حارسه أن يوقظه، كل صباح، بعبارة “إنهض سيدي الكونت.. فإن أمامك مهام عظيمة تؤديها إلى البشرية.” فيستيقظ بهمة، ممتلئاً بشعور الغيرة على شعبه ومسؤوليته الأدبية التي لم تكن سوى القراءة والتأليف والتبشير بفكرة السلام الأهلي.
في هذا العلم، أن الموظف يصبح خارج المسؤولية الأخلاقية والأدبية عندما يعمل لـ “حساب نفسه وأبناء فئته.”
وأحسب أن الإمام علي سبق منظري هذا العلم بألف وأربعمئة عام بمخاطبة مسؤولي إدارة شؤون المسلمين قائلاً لهم: “اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم.” ويقول الخليفة ابن الخطاب عن نفسه، حين أصبح مسؤولاً: “لو أن شاة هلكت ضياعاُ في شاطئ الفرات لخفتُ أن أسأل عنها.”
في عهد الإمبراطور (شن )،الذي حكم الصين قبل أربعة آلاف سنة، كان حكام الولايات يتخلون عن حراسهم وأعضاء بطانتهم عندما يتسلمون مسؤولياتهم، وكان الإمبراطور الحصيف قد منع الموظفين (الولاة) التنفيذيين من “التحيز” لطائفة أو إبداء العداء لأخرى. أما كونفوشيوس، فقد كان يقول لقادة الجيش والحكومة: “أنتم مذنبون حتى يرضى عنكم الجميع، جميع السكان.” وكانت أفكار الحكيم الصيني تدرس في المجالس والحلقات العلمية، وتلزم المسؤول بحفظها، عن ظهر قلب، حتى امتلأت قلوب الحاشية والموظفين بالرحمة.. وهل ثمة أجمل من الرحمة؟