لاحظ جنابك

نرمين المفتي /

كرحيل أي نجم، اجتاح خبر وفاة طارق حرب صفحات العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
فقد نعاه المئات من العراقيين من خلال منشورات عبّرت عن إعجابهم به وبعلمه الوفير وبكونه مثقفاً موسوعياً. ونشر العشرات صورهم معه، سواء من أصدقائه، أو المعجبين به، أو الذين صادفوه جالساً على كرسيه، الذي سيظل فارغاً عند مدخل قيصرية حنش في شارع المتنبي.
وكأي حدث، لابد من أن يختلف العراقيون بشأنه، قامت بعض الصفحات بنشر ما يراه أصحابها حقائق عنه، وتوقعوا أن يراجع الذين نعوه أنفسهم وأن يتوقفوا عن الترحم عليه، بينما شمتَ البعض به، رغم أن الشماتة عامة، وبسبب الموت خاصة، ليست صفة إنسانية، ورغم الحديث النبوي الشريف الذي يقول “لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك”.. ولم يتوقف الخلاف عند هذه النقطة، بل تجاوز البعض على من ترحموا عليه في تصرف واضح لعدم تقبل الرأي الآخر، هذا التصرف الذي يشكل أساس الفوضى في المجتمع، ويساعد على بقاء الوضع على ما هو عليه..
شخصياً، كان صوته الأجش يدفعني الى الابتعاد عن التلفاز حتى بعد أن أخفض صوت الجهاز، لكن لابد من القول إنه كان جريئاً وواضحاً في إبداء رأيه القانوني، وإن كان الآخرون لا يرضون به، لكنهم في الأخير يقبلونه مرغمين.. كان يعرف جيداً كل دهاليز القانون وثغراته، وكيف يتسلل منها في قضية شائكة، ولثقته برأيه وخبرته، كان يصدر بيانات تحمل اسمه في القضايا التي يراها مهمة.. لم أحبذ أبداً محاولاته القانونية- السياسية التي كانت سخريته الواضحة، في حواراته، تظهر عدم جديته، لكن هناك من عرف كيف يستغل سمعته كخبير قانوني في السياسة، فيستضيفه في برامج ليمرر ما يريد من خلال أجوبة حرب على أسئلته.. لكنني أحببت منشوراته في صفحته على الفيسبوك، التي كانت بعيدة عن القانون وتتحدث عن بغداد تاريخاً وتراثاً وشخصيات.. كان مغرماً ببغداد ويعرف كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وأصدر اكثر من عشرة كتب بهذا الشأن، وجهوده واضحة في مؤلفه (موسوعة التراث البغدادي) بأجزائه الخمسة، الذي صدر جزؤه الأول في ٢٠١٩، فكل جزء بألف صفحة تقريباً، ولكل عنوانه الفرعي الذي يشير الى موضوعه.. جهد مدهش يشي بأنه كان يعمل في كل دقيقة بحياته ليعلن حبه لبغداد، الحب الذي كان واضحاً في لهجته البغدادية التي بدأنا نفتقدها منذ عقود، ولا نسمع من يتحدث بها في حواراته التلفازية، و(لاحظ جنابك) لازمته البغدادية حين يحاول لفت انتباه الآخر الى رأيه..
وكعادة غالبية العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، نسي جنابه المعجبون والمنتقدون، وهو بعده في طريقه الى المقبرة وتساءلت: أين هم الذين نعوه، المسؤولون خاصة، من تشييعه؟ وأكيد لاحظت جنابك.. وإلى رحمة الله..