#خليك_بالبيت
نرمين المفتي /
( لا استطيع التَّنفس I can’t breathe)، الجملة التي كرَّرها مراراً جورج فلويد الأمريكي من أصل أفريقي، واتبعها بكلمة (سيدي) والضابط الأبيض يضع ركبته فوق عنقه لدقائق طويلة حتى مات، لتصبح شعاراً يرفعه محتجو أمريكا في تظاهراتهم التي جمعت الأعراق والألوان كافة ضدّ العنصرية التي لها تاريخ مخجل وموجع ليس في الولايات المتحدة إنَّما في جميع (الأراضي الجديدة) في حينها، التي احتلها العرق الأبيض وأباد غالبية سكّانها الأصليين ليصبح سيدها الذي يحتاج إلى عبد ليخدمه.
لم يختر الافريقي لونه الذي قاده إلى مصير العبودية حتى قبل (الأراضي الجديدة) وقبل افريقيا الجنوبية التي ابتكر فيها الأبيض عرقاً أسماه (افريكانا) وليس “افريقياً”، مثلما يسمَّى السود.. كما لم يختر أي إنسان عرقه أو دينه أو طائفته، وأصبح، غالبا، ما وجد آباءه عليه لكنَّه دفع، أيضاً غالباً، أثماناً باهظة لهذه الانتماءات من حروب عنصرية وطائفية منذ أن تعرَّفتِ الشعوب إلى ألوان بعضها البعض ومن ثم إلى دياناتها، وكلّ عرق أو صاحب دين يقرّر أن يلغي الآخر وتبدأ الحروب. العنصرية ليست سياسة جديدة ولم تنتهِ حتى مع إعلان لائحة حقوق الإنسان في ١٩٤٨ أو القرار الأممي ١٩٠٤ ضد التمييز العنصري في ١٩٦٣ وتوالي القرارات بعده، استمرت العنصرية واستمر ناشطوها وبينهم أسماء كبيرة اغتيلت. ورفعت شعارات عديدة، لكن (لا استطيع التَّنفُّس) جملة اختصرت كلّ التاريخ البائس للعنصرية وأصبحت بداية تاريخ جديد يصرّ صانعوه على التَّنفُّس مهما كان الثمن، جملة حقَّقت مقولة مارتن لوثر كينغ: (سيأتي زمن يكون فيه الصمت خيانة)، ولم يكونوا خائنين وصرخوا بلغة التظاهرات التي يقول لوثر كينغ (إنَّها لغة الذين لا يُسمعون)، ليس في الولايات المتحدة فقط، بل في كل مكان فيه عنصرية من نوع أو آخر، وفي كل بلد هناك من يصرخ بأعلى صوته وفي المقابل هناك من يصرّ على عدم الاستماع إليه.
للعنصرية أنواع أو أساليب عديدة، ومن بينها مثلا، التعامل بسياسة الأكثرية والأقلية، فهذه مجموعة بشرية كبيرة العدد في البلد، أي بلد، وتلك قليلة العدد وبالتالي ليست لديها الا فتات الحقوق وإن احتجّت، فالجواب حاضر (أنتم أقلية)، بينما المفروض شرعا وقانونا أنْ يتمتّع الجميع بالحقوق نفسها ما دامت تنفذ الواجبات نفسها.
النسخة الألكترونية من العدد 361
“أون لآين -4-”