عبد الحليم الرهيمي/
كان صائب سلام الذي كثيراً ما ينادي بـ(صائب بيك) من الشخصيات اللبنانية البيروتية البارزة والمرموقة، والتي كان لها دورها الكبير في أحداث وتأريخ لبنان الحديث، حيث أسهم في أحداث كبرى، وترأس لمرات عديدة رئاسة الوزراء خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وبدافع من نزعته الوطنية العروبية قام بدور قيادي في ثورة عام 1958 ضد حكم الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون، بسبب سعيه لإدخال لبنان في حلف بغداد، حيث منعته الثورة من تحقيق ذلك.
وخلال اشتداد أوار الحرب الأهلية اللبنانية منتصف سبعينات القرن الماضي، رفع بعض الأحزاب والقوى المسيحية الداخلة في تلك الحرب وفي مقدمها حزب الكتائب اللبنانية الذي كان يترأسه الشيخ بيار الجميل شعارا يطالب بتقسيم لبنان الى لبنانين مسيحي ومسلم، مبررين ذلك بعدم إمكانية العيش مع الطرف المسلم في بلد واحد. وكان صائب سلام الذي كان يترأس الحكومة اللبنانية آنذاك وهو ذو النزعة الوحدوية اللبنانية ويتحدث بأسم أغلبية اللبنانيين بما فيهم عدد كبير من المسيحيين المعارضين لفكرة التقسيم، قد وضع شعار (لبنان واحد لا لبنانان) ودعا الطرف المسيحي المنادي بالتقسيم الى التخلي عن هذا الشعار والدعوة للحوار تحت شعار (التفهم والتفاهم) لكن الشعار الأثير لصائب بيك سلام الذي ظل يردده آنذاك باستمرار كحجة قوية في مواجهة دعاة التقسيم هو (لبنان لا يمكن أن يطير إلا بجناحيه المسلم والمسيحي) حيث يقول ذلك ويفسره من نظرة ثاقبة وبعيدة المدى، ذلك أن التقسيم غير ممكن لأن أكثرية اللبنانيين ترفضه، إضافة لرفض القوى الإقليمية والدولية لأية محاولة للتقسيم من أي جهة أتت. فلبنان الذي تبلغ مساحته عشرة الاف كيلومتر يسع، برغم صغره، لجميع اللبنانيين، وإذا ما تقسم، فأن حروباً أهلية بين الأحزاب والقوى المسيحية المتعادية ستنشب بين الكنتونات التي ستؤسسها، فيما بينهم من مشاكل وخصومة أكثر مما بينهم وبين بقية اللبنانيين!!.
(لبنان واحد لا لبنانان)، (لبنان لا يمكن أن يطير ويحلق إلا بجناحيه المسلم والمسيحي)… هكذا ظل المرحوم صائب بيك سلام يردد حتى وافته المنية من دون أن يرى (لبنان) مقسماً، لكن حلمه لم يتحقق بأن يشهد لبنان من بعده أمناً واستقراراً حقيقيين، ويعود له الإزدهار، ويعود كما كان يوصف بـ (سويسرا الشرق).