أحمد عبد الحسين/
قبل شهر، أي قبل أن تتحرر الموصل بالكامل، حيث كانت المعارك مستعرة في جانب المدينة الأيمن، تنادت مجموعة من شباب بغداد ومحافظات الجنوب لزيارة المدينة التي بدأت تتنفس هواءً عراقياً بعد طول اختناق. وكانت المفاجأة التي عقدت ألسنتهم دهشةً وفرحاً، استقبال حافل مليء بالدموع من قبل الشباب الموصليّ العطِش إلى عراقيةٍ كانوا يخبئونها في ضمائرهم طوال سنوات المحنة التي جثمت على أم الربيعين.
أقيمت في وسط المدينة أماسٍ شعرية وألقيت كلمات وعُرضتْ أفلام ووزعت آلاف الكتب مجاناً، كانت الثقافة حاضرة تبني ما خرّبته السياسة والإيديولوجيات القاتلة.
لمّ يمرّ أسبوع حتى ردّ الموصليون الزيارة، أتوا إلى بغداد واحتفلوا مع زملائهم في ساحة التحرير ثم توجهوا إلى النجف لزيارة مقابر الشهداء الجنوبيين الذين حرروا الموصل، ومن حسن مقاديرنا أننا كنا هناك وشاهدنا ما حدث.
لن نتحدث عن فيض المشاعر التي غمرت شباب الموصل وهم يقفون على أجداث شبّانٍ تركوا عوائلهم وأهاليهم وذهبوا ليحرروا إخوة لهم من بطش تنظيم إرهابيّ مقيت. سننتقي مما شاهدنا مشهداً واحداً فقط:
بين قبور الشهداء، اجتمع بضعة شباب موصليين، وأخذوا يحفرون قبراً بأيديهم، ووسط وجوم الجميع واستغرابهم أتوا بقطعة خشب ملفوفة بقماشة وكتبوا عليها كلمة “الطائفية” وضعوها في الحفرة، ونادوا على باقي زملائهم “تعالوا لندفن الطائفية هنا في مقبرة الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجلنا ولنعاهد أرواحهم على نبذ الطائفية والتفرقة”.
بعد أداء مراسم دفن الطائفية شعرنا بعمقٍ أن هذا الحاجز المتوهّم الذي كان يفصلنا قد انهار تماماً، هذا الحاجز الذي كبر وتعملق سابقاً بسبب سوء فهمنا لبعضنا البعض، وبسبب إدماننا خطاب كراهيةٍ وإعلاء هوية فرعية نابذه فوق هوية العراق التي ينبغي أن تكون السقف الطبيعي لكل من يقطن هذه الأرض.