جمعة اللامي/
قبل أربعين سنة ونيف، تلقيت بالبريد التقليدي على صندوق بريدي بالشارقة، كتاباً بعث به إليَّ كاتب، كتب على الصفحة الثالثة فيه، هذه الكلمات: “إليك أكتب لأنك قلت لي: إذا ما خسرك الآخرون فلا تخسر نفسك؟.
“ولكن حدثني: لماذا تأتي الطيور إلى هنا؟”. (همنغواي – العجوز والبحر)
كلمات، كلمات. هذه صيحة شكسبيرية، أم إن أحداً يتلاعب بالكلمات، كيفما يشاء، أحسن بذلك أم أصاب، كي يقول في وجهك، وفي وجهي ووجهك، كلمات ليس من العسير الاحتفاظ بها بين اللسان والبلعوم! .
رجعت إلى شكسبير، فقرأت:” كلمة الإهداء، هي خاتمة أو خطاب، مخصصة لشرح شيء ما غامض سبق أن قيل”. هل هذه العبارة غامضة؟ هل إن صرخة هاملت: كلمات، كلمات، كلمات. غير مفهومة؟”.
ورجعت، مرة ثانية، لأقرأ كلمات الإهداء على الصفحة الثالثة من كتابه. حفظتها عن ظهر قلب، بعدما رددتها للمرة الخامسة، ثم توقفت عن النطق. إن الرجل يهدي روايته إلى رجل آخر غيري، فأنا لست قائل تلك العبارة:” إذا ما خسرك الآخرون، فلا تخسر نفسك”.
لكن، كيف اهتدى الرجل إلى تلك العبارة؟ وأَنَّى له أن يلصق تلك العبارة بي؟ وإلى أين سيمضي بي الوقت إذا ما قال أحدهم ذات يوم: ذلك الرجل كذب عليك، لأن تلك العبارة ليست لك، وكذب على نفسه كذلك؟.
سيفضي بي الوقت، لترديد كلمات الدوس هكسلي: “يمكن أن تشبه الكلمات أشعة أكس (X) إذا ما استعملناها على نحو غير ملائم، فإنها تخترق أي شيء”. وهذه الـ “على نحو ملائم” هي عمود الخيمة. وأخيار الناس – منذ القدم، لأنهم استخدموا الكلمات “على نحو غير ملائم” أو إنّهم تنازعوا، غالباً، بسبب هذه الكلمات كما قال الروائي أنا تول فرانس، وبطيب خاطر!
على أن “الجملة” لكي تكون “على نحو ملائم” أو “على نحو غير ملائم” هي مفتاح شخصية الكاتب، أي كاتب، مثل شكسبير القائل: “إن الكلمات هي أنذال، منذ أن شانتها الوعود، ولقد أصبحتْ من الوقاحة بحيث أنني استنكف عن استعمالها، لأثبت أنني على صواب”.
ويبدو أنّه يتوجب علينا أن لا نطلق كلمات شكسبير، كما ردّدها هاملت، أو كما أعدت كتابتها قبل أسطر، من دون تفحّص، كما ينبغي علينا أن نقف بالمرصاد للكلمات غير المحسوبة بدقة، لأنها نحن، وهي حالنا: الشاخص تحت الشمس، أو المخبوء في مكان لا يعلمه إلا الله!