نرمين المفتي/
بدأت النباتات الطبيعية تشقّ التربة بسيقان ثابتة وأزهار بريّة واثقة من ألوانها وأريجها، لا تنتظر دعوة الى الإسهام في إسعاد الآخرين ودعوتهم الى الحياة. نراقب هذا الإصرار، ونقف عند صور لا تريد أن تتغير ولا تقبل أن تلتفت الى هذه الأزهار البريّة التي تحاول أن تعلمهم العطاء. صورة المتخاصمين سياسياً والذين يعدون أنفسهم قبل المواطنين، بالحوار الهادئ للتوصل الى حل أو بعضه يدفع بالبلاد الى الأمام ويمنح المواطن بعض الراحة، تشبه استراحة المحارب، قبل أن ينتهي الربيع ويهجم الحر والكهرباء ما تزال تراوح في مكانها.
لا أريد الإشارة الى المصاعب الأخرى التي تضاعف وطأة الحر وتأثيراته على الصحة النفسية ( قد أبدو بطرة وأنا أتحدث بالصحة النفسية في بلد يعاني صغاره نفسياً أكثر من كباره)! ولن أتحدث عن الأمن والأمان، الذي سيتحقق مع الاستقرار السياسي، والحوار خطوته الأهم. وصورة من يراقب المشهد صامتاً، وحين نسأله لماذا يصمت أو يبتعد، يكون جوابه «لم يطلب مني أحدهم العمل» وهو يعرف في قرارة نفسه أن العمل لا يُطلب إنما يُخلق وأن الذي لا يرى الربيع، قطعاً لن يطلب من شخص كفء العمل كي لا يقترب من (كرسيّه).. وصورة صغار غادروا الحلم مبكراً، وتركوا الشارع لأيام وهم يلجأون الى الربيع لبيع بضاعتهم من شعر بنات وبالونات في الأماكن التي تذهب إليها العوائل أيام العطل. يبيعون ويراقبون الفرح عن بعد وهم متأكدون بأن عودتهم الى الركض خلف السيارات قريبة جداً لقصر أيام الربيع.
صور عديدة يرفض أصحابها الإحساس بالربيع وأخرى تفرض على أصحابها عدم الإحساس. أعود وأراقب إعلان الربيع وأنتظر نصراً حاسماً يعيد الموصل (أم الربيعين) ويغسل الرماد من على وجوه حاولت الخلاص من الموت كدروع بشرية للظلاميين بالنزوح ويغسل أقداماً سارت حافية لمسافات طويلة في طرق موحلة وصولاً الى مخيم يفتقر الى الكثير في ظل غياب المساعدات الدولية، رغم يقين العالم بأن العراق يقاتل نيابة عنه.
ستعود الموصل وتعود تلعفر وسيعود النازحون الى بيوتهم ولن ينسوا من مدَّ يد العون إليهم وبينهم عسكريون قاتلوا لخلاصهم وتقاسموا معهم اللقمة والماء. لن ينسوا من تاجروا باسمهم واستغلوا أوجاعهم ليتمسكوا بالكراسي ويُمعنوا بالخراب.
ليست للربيع وأزهاره البريّة أية أجندة سياسية باسم دول الجوار والإقليمية، لا أجندة لديه سوى الفرح الذي يمنحه مع بعض الأمل برغم تربص بعضهم لسلبه وسلب فرحته.