ليست نهاية طريق

نرمين المفتي

قال جبران خليل جبران “لا تبالغوا بالحب ولا تبالغوا بالاهتمام والاشتياق، فخلف كل مبالغة صفعة خذلان.” وكان قد قال، ربما قبل مقولته هذه، “ولكنكِ ارتضيت لي الأذى، وأنا الذي كنت أحسبكِ أرقُّ على قلبي مني.” ترى من خذلته؟ مي زيادة التي أحبته حتى الجنون ولم يلتقيا أبداً؟ أو امرأة غيرها؟ الذي يقرأ جبران، لابد أن يلمس مرارة الخذلان التي جعلته من نعرفه ويعرفه العالم كله. ليس هناك شعور قاسٍ يختبره الإنسان مثل الخذلان حين يدير أحدهم بوجهه عنه وهو بأمس الحاجة إليه أو في الأقل إلى كلمة منه.
الخذلان ليس خيبة أمل مؤقتة، أو إحباطاً قد يُنسى، إنه مرارة تبقى تلازم المخذول طوال عمره، حتى إن حاول حفظه في زاوية بعيدة عن دماغه، أو قلبه، خاصة عندما يأتي من أشخاص كان يظن أنهم الأقرب إليه. وأهم سبب للخذلان في التوقعات العالية التي نضعها في الآخرين، سواء كانوا أصدقاء، أحباء، زملاء عمل، أفراداً من العائلة، أو حتى من الذات، قد يكون بسبب وعود لم تُنفذ، أو ثقة استغلت، أو مواقف تُرك فيها الشخص وحيدًا عندما كان بأمسّ الحاجة للدعم. ومن أكثر أنواع الخذلان إيلامًا خيانة الثقة، حين يشعر الإنسان بأنه تعرض للخداع من شخص كان يظنه مخلصًا.
الخذلان برغم مرارته، إلا أنه يرغمنا على إعادة النظر في طبيعة علاقاتنا، فكل تجربة خذلان درس يساعدنا على اختيار أشخاص مناسبين. لكن حذار أن يستغرقنا الحزن، فالخذلان تجربة قاسية، ومرارته جزء لا يتجزأ من رحلة الحياة، لكنه ليس نهاية الطريق، ففي هذه الرحلة، طالما استمرت، هناك غد، أي يوم آخر.
لنضع جانباً تساؤل دوستويفسكي “كيف احتملت فكرة أنك وضعت ثغرة مؤلمة في صدر أحدهم سترافقه طوال حياته، ومضيت هكذا دون أن تكترث لشيء؟” ونتذكر مقولة مولانا جلال الدين الرومي “أحياناً تمطر علينا مصاعب لا نهاية لها، لكن تذكر أن القوس قزح بألوانه يظهر بعد المطر”.