علي حسن الفواز/
المعرفة تبدأ بالخط، والجمال يبدأ باللون، وكلاهما يحملان عبر شفرتيهما المتوهجتين او الغائمتين مسارات الحركة الى الاتجاه، والى تعرية المعنى أو فضحه، بوصفهما ممارسة ثقافية في التعرّف، والتوصيف، أوفي المعاينة والكشف، وفي الإيضاح والتعمية، وربما في ترسيم حدود المرئي، أو التحفيز على تفكيك الطلسمي، فالكتابة تستدعي التعرّف، والقراءة هي من يقود هذا التعرّف الى الفهم، فلا يوجد شيء خارج الفهم والمعنى..
يأخذنا خليل شكري هياس الى غواية ما يمكن أنْ تُثيره ثنائية الخط واللون من هواجس، ومن أسئلة وحدوسٍ، حيث يتلامس فيهما المعرفي والجنسي، وحيث يحضران في لعبة صناعة العتبات عبر تعاليات العناوين والإشارات، وكأنهما لعبة المثقف/ المؤلف في مواجهة المحو والزوال، وفي استكناه سرائر كينونة الوجود المقدسة، وفي البحث عن الفراديس الضائعة..
عتبة الغلاف، عتبة اللون، عتبة العنوان هي نصوص موازية كما يقول جيرار جينيت، لها تعالقها النصي، ولها طاقة الحضور الاستعاري، على مستوى إبراز هوية الكتاب، والتعريف به، وعلى مستوى المقاربة الجمالية التي يفترض وجودها في أيّ كتاب، وعلى مستوى أن يكون هذا الانوجاد تعبيراً عن أهمية (المناصصات) في الكتاب، بدءاً من الغلاف والعنوان وانتهاء بالإشارات والألوان، والخطوط، وصولاً الى الهوامش..
أطروحة الدكتور الهياس للكتاب لها تمثلها التوصيفي، ولها مقاربتها البنائية، والتي تعتمد على تكوين العتبات، عبر عتبة النص/ الجسد/ اللوحة، أو عبر عتبة العنوان، أو عبر عتبة الغلاف. وهي في هذا السياق تمثيلٌ للهاجس البصري الذي يتوخاه الكاتب، في استدعاء الغواية والجذب، وفي ترسيمهما، وبهدف التأثير على القرّاء، أو بهدف السعي نحو المغايرة والاختلاف، مثلما هو تمثيلها لخيار الكاتب الشخصي في أنسنة الخطاب، وفي مشاهرة رسالته كلذة مُتخيَّلة الى الآخر القارئ، الآخر المتلقي، وهو ما دأب عليه الهياس في تلوين مباهج كتاباته، إذ يمارس وظيفة الإشهار عن الكاتب البصري، بوصفه مغامرة جمالية، ووظيفة اشكالية ومعرفية للناقد الذي تشتبك في نصوصه فضاءات اللغة المفتوحة، لغة السيمياء، والألوان، والخطوط، والتي تختصر في جوهرها رغبة الإنسان الأزلية في الخلود.
يكتب الناقد خليل شكري الهيّاس كتاب السيرة، وكتاب الاعتراف، وكأنه يسعى الى توسيع مديات الكتابة، تنويعاً، وتأثيراً، وباتجاه تحويل الكتاب الى قوة رمزية، لها أثرها النفسي، والإحالي، ولها هدفها في الأنثربولوجيا الثقافية، حيث التعرّف على المواد المؤثِثة للنص، وعلى تعالقاته في اللغة والتاريخ والعادات والقيم والأزياء والاجتماع، وهي مصادر فاعلة في تشكيل هوية الكتاب، وفي تنشيط التجربة النصية ذاتها، بوصف الكتاب هو الإطار، هو الميدان المفتوح، والذي يضعه الكاتب كأفق تأليفي، لخوض مغامرة الكتابة، وبمقاصد وأهداف معروفة، أو بنوايا قد يكتشفها القارئ الفاعل، فماعاد القارئ خارج التأليف والتلقي، إذ أنّ القراءة هي مجال آخر لتفكيك مركزية التأليف، ولتنشيط مخيلة القارئ واستنفار طاقته.
فاعلية التأليف والقراءة تشتبك مع النص في كُليته.