جواد غلوم/
كلما تقدّم الإنسان في السن واقترب من كهوف الشيخوخة الخانقة ليطأ أول عتبتها المنحوسة سقماً وعجزاً وضعفاً في القدرات العضلية والعقلية؛ وَوَهَناً جسدياً وخلَلاً في الذاكرة، تتفاقم التغيرات فوق الجينية وتتدهور فاعلية الخلايا الجذعية وتضعف قابليتها على تعويض الأنسجة التي تتلف وبالأخص الخلايا العصبية الكامنة في دماغ الإنسان الهرِم.
هنا يتدنى النشاط الفكري وتهرب الأسماء المحفوظة في شريط الذاكرة وربما تغيب الكثير من الحوادث التي مرّ عليها الإنسان في مراحل عمره المتعددة.
تلك الظاهرة التي تبرز أثناء الشيخوخة تسمى الانجراف فوق الجيني ( Epigenetic Drift ) ويؤدي هذا الانجراف الى بروز سلالات خلوية خارج سيطرة جهاز المناعة المتدهور هو الآخر مع تقادم العمر، ومن هنا يبدأ السرطان فعاليته ليستغل هذا الهوان والإنهاك وينشب أظفاره في الجسد ويفعل أفاعيله لدى المسنّين.
هذا الجين الخبيث الذي يسميه الأطباء “كلوثو” نسبةً الى آلهة المرض والموت عند الإغريق هو الذي يعمل على جرّنا تدريجياً نحو الهاوية؛ فتارةً يسرع بنا الى مهاوي الأسقام والردى حينما يصيبنا اليأس والإحباط والرضوخ والاستكانة لأمراض الشيخوخة وتارة أخرى يمشي بطيئاً وقد يتوقف أمداً إذا تحسّس أننا نمتلك إرادة قوية وعزماً وإصراراً على مواصلة الحياة والتعلّق بها حباً،
وهذا هو السبب وراء بقاء الكثير من المسنّين يستمتعون بالحياة في صحة وعافية من دون أن يصابوا بالأمراض المصاحبة للهرم برغم أنهم دائمو التدخين أو مفرطو السمنة أو مدمنو الكحول.
فالنساء الكبيرات السن ممن تجاوزن الخمسين عاماً في سبيل المثال، قلما يصيبهن سرطان الثدي مثلاً بينما يفعل فعله المدمّر أكثر في الفتيات الأقل عمراً. وفق إحصائيات مؤكدة فإن النساء قويات العزيمة والنشاط يتحدين عملية الانجراف ويعملنَ على إبطائها في الأقل، ويصبحن مثل حال أقرانهن الرجال الهرمين من محبّي الحياة الذين لا يتوانون عن أخذ الكثير من المتعة قد تصل الى حدّ التمادي في التدخين والسهر ومعاقرة الخمور والاستئناس بالعمل الشاقّ من دون أن تصيبهم أية أسقام خطيرة، بما في ذلك العوارض السرطانية التي تتربص بالشيوخ الكبار ممن بلغوا من العمر عتيّاً.
ولأن الخلود من المحال؛ اذ لايوجد جين الخلود الاّ في مخيلتنا وفي أقبية التمنّي، فما عليك الاّ أن تحبّ الحياة وتتعلق بها مهما كبرت؛ عندئذٍ ستقوم أنت وحدك بعكس عملية الانجراف نحو الهاوية أو في الأقل تبطئ سيرانه في جسدك وعقلك وذاكرتك لتعيش فترة أطول.