مرافعة هاملت

جمعة اللامي /

“الشرف أعظم الشعراء”
(لافاييت)

نقرأ لشكسبير، ونتوقف عند هاملت، هنا الفعل وضده، الصمت والصخب، البريء والمنتقم، المبارز والمتردد. هو قضية القضايا، حين لا يرى “أحدنا ” ظلامَ منتصف الليل في دواخل نفسه، وحين لا يشاهد هذا “الأحدنا” شمسه ساطعة في قلبه:
“آه، يا ليت هذا الجسد الصلد يذوب،
يموعُ وينحلّ قطرات من ندى
يا ليت الأزلي لم يضع شريعته
ضد قتل الذات. ربّاه، ربّاه
ما أشدّ ما تبدو لي عادات هذه الدنيا
مُضنية، عنيفة، فاهية، لا نفع منها.”
لو استطاع أحدنا، وليس ذلك “الأحدنا”، أن يستل روحه من جسده، ويضعها قبالته، ثم يسمع هذه المرافعة الهاملتية بلسان نفسه، وهي تتوجه إليه، من على خشبة مسرح في صالة فارغة إلاّ منه، ومن دون ستارة، وبلا إضاءة، وحيث لا أحد، إلاّ هو ، فماذا سيقول لروحه؟ وكيف سيقف؟ أو كيف يتحرك؟ أو كيف يقول كلمة: لا، أو كلمة: نعم؟
بعضنا جرّب هذا الموقف، كذلك الرجل الذي تعرفت إليه قبل ثلاثين سنة، عند البحر حيث كان ثمة شبان يلعبون بالأفكار والمصائر، وهم لا يشبهون أولئك الشبان الذين يلعبون بالفلوس، ولا يعرفون قيمة الفلوس ولا فقهها.
كان الرجل وحيداً، كما هو اليوم تماما.ً
كان يحفر في الرمل بيتاً خاصاً به، أو قبراً، أو خندقاً: كان لا يبالي بالأسماء. كان يهتم بالمعاني التي لا يعرفها ذلك “الأحدهم” ، وهوالذي خرّب بلاده من أجل جردل ماء.
أهذا إنسان، ذلك الذي يخرب بلده، من أجل جردل ماء؟ أو لكي يغطي قحفة رأسه بـ“بيرية” سوداء؟
لكن الذي حدث حدث. والرجل الذي أحدثكم في شأنه، كان يجرب أن يكون في قبريحفره بأظفاره شخصياً، ويدفع جسده في التنور، ثم يراقب السماء الحارة. حدث هذا فعلاً:
رأى الرجل النجوم تهبط على قبره في عز تلك الظهيرة التموزية، كما لو أنها تخرّ من عَلٍ، لتقول له: مرحباً بك، أيها الشاب الجنوبي، لطالما كنا بانتظارك.
ومثل هاملت كان ذلك الشاب الجنوبي، لا يعرف القدرة على الفعل، ولا يعرف الأرجاء. لكنه متوقد الذهن، صارم العزيمة، قوي الشكيمة. بيد أنه في “لحظة ما” يسأل: من أنا؟
وكان غيره يحتطبون حروباً من أجل طاسة ماء، أو ثأراً لكلب نبح على كلب آخر.
يا للعرب …!!