حسن العاني/
شهد تاريخ العراق القديم، أعني عهود سومر وآشور وبابل وأكد، وغيرها من تلك العهود أو العصور القديمة، وحتى التي أعقبتها ببضع مئات من السنين، اعتلاء المرأة العديد من مناصب البلاط الرفيعة، بما في ذلك منصب (الملكة)، عندما كان هذا المنصب في أوج تمتعه بالحرية، ولم يكن حكراً على الرجال كما حصل في العصور اللاحقة.
ومن باب التذكير فقط، نقول إن تلك المراحل الموغلة في القدم لم تعرف صوراً متعددة لأنظمة الحكم، وبالذات النظام الجمهوري، بل لم يكن حتى مفهوم الجمهورية مطروحاً على الساحة.
المختصون في تاريخ العراق القديم يعرفون عن ملكاته غير ما يعرفه رجل مثلي، لا يعرف تاريخاً مؤكداً لعيد ميلاده أو زواجه أو موته، ولاشك في أنهم يملكون الكثير من التفاصيل عن أسمائهن وأعوام توليهن الحكم ومدة بقائهن على العرش، مثلما يعرفون أدق أسرارهن الخاصة.. ويذكرون منهن -على ما بقي في ذاكرتي- الآشورية (سميراميس) أي (المحبوبة من السماء)، التي يبدو أنها استثمرت (حب السماء لها) فاتسم حكمها بالقوة والهيمنة والاستبداد بالرأي.. كما أذكر ملكة أور (شبعاد)، وهي -على ما أعتقد- من الأسرة الملكية الأولى.. على أن التي استوقفتني وقفة تأمل هي الملكة (كوبانا) – أي المرأة الحارسة – ليس لأنها أول ملكة سومرية، بل لأن سيرتها الذاتية تدعو الى التأمل، فهي ابتداء (زوجة) الملك الأشهر سنحاريب، ثم لكونها حكمت قرابة (100سنة)، والأهم هو أن حياتها كانت سلسلة متواصلة من الحروب والانتصارات بحيث لم يذقْ جيشها ولا شعبها – كما هو متوقع – طعم الراحة، لأنه يخرج من ساحة حرب ليدخل ساحة حرب أخرى!!
ما يستحق الملاحظة هو أن ملكات العراق القديم وصلن الى العرش في زمن لم تسمع فيه البلاد حكايات الديمقراطية والكوتا والانتخابات واتحادات النسوان ومنظمات الدفاع عن المرأة، وغير هذا وذاك لم يتاجر أحد بالمرأة كما تتاجر بها البرامج الانتخابية في ألفيتنا الثالثة.. و.. ومع ذلك فإن المرأة العراقية قبل أربعة آلاف سنة أو خمسة أو أكثر، كما تقول وقائع التاريخ، أصبحت ملكة، ولم تصبح على أيام الديمقراطية والكوتا رئيسة جمهورية أو رئيسة وزراء أو رئيسة برلمان، ولن يُسمح لها -بألف طريقة وطريقة- أن تحتل مثل هذه المناصب القيادية والمواقع السيادية، و.. وأنا سعيد جداً فقد (شبعتُ وشبعنا) من حكم الرجال ولا نريد أن نجرب حكم النساء.. فهو ( معروف ومجرب)!!