مقارنات

حسن العاني /

هناك فارق جوهري بين الشاب العراقي وبين الشاب الأوروبي، فالأول لحظة بلوغه مرحلة المراهقة تتوجه أفكاره نحو الزواج، وتتفتح خيالاته العاطفية على السرير العريض والعش الليلي، وهو في ذلك كلّه يتحرك بذيل ساكن ضامر مسالم، حتى إذا تمّ له ما أراد، وحصل على ابنة الحلال وأصبحت العصمة بيده كما تقتضي أعراف السلطة الزوجية في الشرق، انتفض ذيله وراح يلعب به على هواه، لا يردعه دينٌ ولا عشيرة، ولا تشفي غليله دزينة من النساء، ولا ما ملكت يمينه ويساره، مباهياً ومتباهياً أنَّه أعظم “زير” في التاريخين الميلادي والهجري!!
أمّا الشاب الأوروبي، فإنَّه في اللحظة التي يضع فيها قدمه على عتبة المراهقة، يطلق العنان لذيله، يصول ويجول معلناً أنَّه ترك بصمته الوطنية وجيناته الوراثية على “سلالات وألوان” النساء جميعهن، فإذا انتهى من مغامراته ولياليه الحمر، وبلغ حدّ الشبع والبطر.. قرّر الزواج.. عندها يبدأ عهد جديد، فهو يدرك أنَّ أول شيء تفعله زوجته هو قطع ذيله من “العرج” وتحويله إلى كائن تابع ومطيع، وقبل ذلك ذليل، ومع ذلك يستقبل هذا التغير بأريحية وشفافية ورحابة صدر.. لا يغضب ولا تهتزُّ شواربه، ويمشي مرفوع الرأس، لكونه أدى الرسالة التي في عنقه قبل الزواج على أفضل وجه وأتم صورة، كما أداها من قبل جدُّه وأبوه وأعمامه وأخواله ورجالات مجتمعه!!
بناء على هذه الحقائق التي يعرفها القاصي والداني، عليَّ أن أواجه المحنة التي أمرُّ بها، فقد بلغ ابني الكبير مرحلة المراهقة، وبدأ نشاطه الذهني حول الزواج يتصاعد ويتأجج، ويخرج من التلميح إلى التصريح، ومن السر إلى العلن، ولم تكن أمامي حيلةٌ إلا الرضوخ ثم الدعاء إلى الله أن لا يلعب بذيله على طريقة الغرب، وأن يلهمه الصبر حتى يلعب به لاحقاً على طريقة الشرق!!
لم تكن أمامنا صعوبة تذكر في شراء “الجهاز” وغرفة النوم، فالغرف المستوردة تغزو أسواق العراق على حساب الغرف المحلية.. أما العثور على ابنة الحلال “العروس” فلا يحتاج إلى بحث أو دوخة رأس، لأنّ البنات المؤدبات والحلوات اللواتي ينتظرن أي “ابن حلال” بفارغ الصبر جاهزات ورهن الإشارة، أما العوانس والأرامل والمطلقات فأعدادهن بالملايين، وتكاليف الاقتران بهن.. أخو البلاش!!
قضية القضايا في زواج ولدي تتلخص بالسكن.. منزلي يتألف من ثلاث غرف معبأة بثلاثة عشر مواطناً كريماً بطريقة “الحشو والحشك”، وعليه لا بدَّ من بيت مستقل له ولزوجته.. وهكذا بدأنا رحلة بحثٍ مضنٍ وشاق على مدى تسعة أشهر.. وعثرنا أخيراً على شقة صغيرة، ربما تفي بالغرض لشخصين يبدآن حياتهما الزوجية الجديدة، إلا أنَّ العقبة التي واجهتنا تكمن في إيجارها الشهري البالغ (400) ألف دينار – وهذا أرخص إيجار صادفناه – ولما كان راتبه الشهري (500) ألف دينار فقط، وهو لا يتاجر بالممنوعات ولا ينتمي الى حزب متنفذ، ولا أنا صاحب فندق أو مصرف أو محطة وقود، كما إنني لست عضو برلمان أو وزير دفاع في دولة العراق الاسلامية، فقد غضضنا الطرف مكرهين عن الشقة، لا سيما بعد أخبار التواصل الاجتماعي عن نيّة الحكومة بناء (6) ملايين وحدة سكنية، وتوزيعها بالأقساط المريحة على الأسر التي لا تملك أي سكن، وبالذات الأسر المشكّلة حديثاً – أي المتزوجون الجدد – مثل أسرة ولدي بالتأكيد!!
غير أنَّ المشكِلة التي أجهضت فرحتنا، هو عدم ضمان توزيعها على المستحقين وليس على منتسبي الأحزاب، والأدهى والأمر هو أن الانتهاء من بنائها يستغرق (20) سنة من الانتظار، ولكن المشكِلة الأكبر هي أنّ ولدي – بعد سماعه هذه الأخبار – قرّر التخلي عن نية الزواج، واللعب بذيله على الطريقة الأوروبية طوال العشرين سنة التي تفصله عن الحصول على شقة سكنية.. وأنا أعلن هنا أمام الجميع بأنني لا أتحمّل ذنبه ولا وزره ولا خطاياه، بل أحمّلُ الحكومات السابقة والحكومات الحالية والمقبلة والتي بعدها كامل المسؤولية عن تصرفاته.. ومع هذا كله فأخشى ما أخشاه لو ظهر أنَّ الحكومات المتتالية جميعها تضحك على ولدي.. لأن ذيله بعد عشرين سنة سيصبح والعياذ بالله عابراً للقارات!!