نرمين المفتي /
أدهشتني بكين بالألوان الطبيعية الممتدة على مدِّ البصر، أشجار وزهور وثيّل، متنزهات وحدائق وسنادين كبيرة على الأرصفة مزروعة بورود، كل سندانة بوردة من لون واحد، بل إن الإعلانات المنتشرة في الشوارع تلفت الأنظار بباقات الورد الطبيعي التي تشير إليها، ودائماً هناك نساء ورجال كبار في العمر يهتمون بالحدائق والمتنزهات. وعند سؤالي عن سبب كبر عمر هؤلاء العاملين والعاملات، كان الجواب أكثر دهشة: إنهم متقاعدون.
بدءاً ، السن التقاعدية للمرأة في الصين ٥٥ سنة وللرجل ٦٠ سنة، ويحق لهما التمديد، ومع تسلّم هوية التقاعد يتم تحويل اسمه، مهما كان المنصب الذي شغله – صغيراً أو كبيراً، إلى دائرة البلدية القريبة من محل سكنه، ويستطيع في اليوم التالي العمل في المتنزه القريب إليه، و إن كان في منطقة ما متقاعدون قريبون بعضهم إلى البعض، يتم إنشاء حديقة صغيرة جديدة في الحي ليعملوا فيها، ويأخذ العاملون في الحدائق راتباً إضافياً إلى راتبهم التقاعدي يتراوح بين ٢٥ إلى ٦٥٪ من الراتب التقاعدي، حسب الدرجات الوظيفية، وصاحب الراتب التقاعدي الأقل يتسلم النسبة الأكبر، والكل يعملون.
وسبب هذه الخطوة هو منح فرصة للمتقاعد للخروج من البيت والابتعاد عن الإصابة بالكآبة والأمراض والمشاكل وإيجاد مصدر رزق إضافي له، وفي الوقت نفسه منح المدن جمالاً وبيئة نظيفة.
أما السن التقاعدية في أميركا فهي ٦٥ سنةً للمرأة والرجل، والذي يطالب بإحالته إلى التقاعد بعمر أصغر لن يتسلم راتباً حتى يبلغ السن التقاعدية، والذي يحال إلى التقاعد بعد إكمال السن، لن يغادر مكتبه إلا بعد أن تنهي دائرته معاملته وتضع له في حسبته راتب ثلاثة أشهر مسبقاً. في استراليا التي رفعت سن التقاعد إلى 67 سنة، مقترحات أن يتم رفعها إلى 70 سنة.
ببساطة للاستفادة من الخبرات التراكمية، والأهم أن هذه دول فيها تخطيط علمي مستمر، وهي ابتداءً تمكنت من استيعاب الخريجين سواء في دوائر حكومية أو في القطاع الخاص، أما العاطلون عن العمل والمحتاجون فإن الدولة مرغمة على الاهتمام بهم من خلال نظام التأمين الاجتماعي.
وفي دول تحترم مواطنيها تكون رواتب الإعانة الاجتماعية أعلى من رواتب الدرجات الدنيا الحكومية، فضلاً عن أن العاطلين عن العمل يعالجون ضمن التأمين الصحي مثل الذين يدفعون الضرائب.
في العراق.. لا يوجد أمر يشبه العالم، والمواليد التي أحيلت إلى التقاعد فجأة، وبضمنهم مواليد 1957، والذين كان القانون يسمح لهم بالتمديد لثلاث سنوات إضافية، لا ذنب لهم بعدم التخطيط والتضخم الوظيفي غير المنتج بعد 2003، وهم الذين أداموا الأشغال العامة في ظروف حروب عبثية وحصار خانق وبرواتب بالكاد كانت تكفيهم لأسبوعين أو أقل، وتتم مكافأتهم بإحالتهم إلى التقاعد قبل السن القانونية، وتحميلهم مسؤولية الخريجين العاطلين عن العمل.. وللحديث بقية في العدد المقبل.. إن شاء الله.