نرمين المفتي /
لابد لكل إعلامي وباحث أن يقرأ كتاب (الحرب الباردة الثقافية: المخابرات الأميركية وعالم الفنون والآداب) الذي ألفته الكاتبة والباحثة البريطانية فرانسيس ستونر سوندرز، وصدر 1999وترجمته في العراق، وبذات السنة، الكاتبة السيدة ناصرة السعدون، وعام 2004 ترجمه عصام الشايب في القاهرة بتصرف في العنوان الذي أصبح (من الذي دفع للزّمار، الحرب الباردة الثقافية).
ويتناول الكتاب بالوثائق الحرب الثقافية التي شنها البيت الأبيض إدارة بعد أخرى ضد الأميركان خاصة والغربيين عامة للسيطرة على عقولهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحديداً مع بدء الحرب الباردة وتحقيقات السيناتور مكارثي بين القطبين، حينها، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي. واستمرت هذه الحرب على مدى نصف قرن تقريباً وانتهت مع انهيار الاتحاد السوفيتي.
كانت أدوات الحرب معارض تشكيلية وإصدار مجلات وكتب وأغان وموسيقى وأفلام ومؤتمرات أدبية وتجمعات ثقافية، لا يشك بها المتلقي، لتسفيه الالتزام في الأدب والفن والفكر ومحاربة الفكر الاشتراكي وتجنيد أدباء وفنانين ومفكرين ومنحهم مكافآت عالية. وكانت النتيجة هذا الانفلات الأخلاقي والقيَمي الذي حافظ على التزامه الذي لا يزال ينظر إليه بارتياب. والكتاب يوفر نماذج للاحتذاء بها وتنفيذ أجندة ما من خلال أنشطة ثقافية ومؤسسات إعلامية.
أشير إلى هذا الكتاب للحذر من مؤسسات إعلامية عراقية وعربية خاصة تقيم مهرجانات سينما وشعر ومعارض كتب، وتصدر كتباً ولديها طبّالون من الكتّاب والصحفيين والفنانين يتسلمون مكافآت وأجور يهرعون في الدفاع عنها لو ظهر مقال ينتقد صاحب هذه المؤسسة أو تلك، ويحاولون أن يرغموا المتلقي على الإحساس بـ
(نكران الجميل) لأن هذا الصاحب ينشر الكتب ويقيم المهرجانات أو ذلك الصاحب الذي يقيم منافسات بين الروائيين ويخصص مبالغ عالية للفائزين، ويحاولون أن يوهموا المتلقي بأن المؤسسة التي يعملون بها لا همّ لها سوى الثقافة، بينما الحقيقة أن صاحبها يعرف جيداً أساليب السيطرة على تفكير المتلقي وتوجيهه إلى أهدافه.. لا أدري إن كان الطبالون يعرفون مهمة صاحب المؤسسة لتمرير أجندة معينة أو لا! لكن الحرب واضحة وستكون أشد، وبغداد تصر على بسط سيطرتها التي تأخرت عنها 14 سنة وستكون مريرة جداً والانتخابات العامة تقترب.