نرمين المفتي /
ضرغام هاشم، لو كنّا احتفلنا بعيد ميلاده الأخير الذي مرّ قبل أيام، لكان الآن في الخامسة والستين، وأجزم لكان استمر كما أحببته، مشاكساً أحياناً ومشاغباً في أخرى. لكنه، أبداً، جريءٌ في الحق، وأجزم أنه كان قد حقّق وعداً قطعه لي يوماً أن يفكر فيه بعد خمس وعشرين سنة، ومرت عليه الآن تسع وعشرون سنة.. يؤلمني أن ينساه كثيرون من الذين تم تغييبه قسرياً لأجلهم..كان أول المغيَّبين الذين وقفوا ويقفون ضد الطائفية وضد أن يسيء عراقي الى آخر.
كان في الثامنة والثلاثين، حين قرر أن يقول كلمة حق في زمن كانت هذه الكلمة فيه تكلف حياة بأكملها، وإن كان بعض ذلك الزمن مستمر لحد الآن.. أذكر أنني قررت أن أنساه بعد أن أصبحت هدفاً، كنا عدداً محدوداً من الصحفيين المجتمعين في النقابة بعد خطفه واقترحت أن نعلن إضرابنا لنعرف مصيره، وكان بينهم من أوصل اقتراحي حالماً أن يحظى بربع ابتسامة، والذي لم أعرف من كان. وتعرضت الى حملة تشويه تاريخ وسمعة وافتتاحية ضدي في جريدة بابل كتبها رئيس تحريرها ومالكها بسبب مقال نشرته رداً على الدعي نفسه الذي كتب افتتاحية في بابل تجاوز فيه على العراقيين جميعاً.. ومرت السنوات ونسيت أن أنساه، لكن الكثيرين، كما أسلفت، نسيوه او تناسوه.. ويوم أعلنت الأكاديمية العربية لحقوق الانسان في لندن أن تؤسس جائزة سنوية للصحفيين المدافعين عن حقوق الإنسان، قررت الشاعرة والناشطة ومديرة الأكاديمية أمل الجبوري أن تمنح اسمه للجائزة السنوية. ومنحته، وإياي، الأكاديمية درعاً وشهادة، ضرغام لقوله الحق وأنا لكوني”بطلة في زمن كانت البطولة فيه ممنوعة.” ومع إعلان الجائزة، أصبحنا، ضرغام وأنا، لأيام فقط، محور لقاءات صحفية وحوارات تلفزيونية، تحدث عنّا من لم يعرفنا او بالكاد كان يعرفنا..ومنحتنا احدى المنظمات (الإعلامية) درعين، له ولي، لا يحملان اسمينا، انما جملة واحدة، لا اتذكرها تماما وربما كانت (نجم ٢٠١٤) ..ومنح الدرع بالجملة نفسها لنحو ١٠٠ شخصية، بينهم شيوخ وسياسيون ونائبة، أصبحت الآن تحمل صفة سابقة.. لم تكلف تلك المنظمة نفسها أن تمنح ضرغام المغيَّب منذ أيار ١٩٩١ درعاً خالياً من الإشارة الى سنة لتشعرنا بتقديره..
ضرغام الذي نسيت أن أنساه، ما رضيت يوماً أن يسبقوا اسمه بصفة (شهيد)، ربما تمكن أن يخرج من محبسه الانفرادي ذات يوم بعد نيسان ٢٠٠٣، لكنه ضَلَّ الطريق الى بيته، او بيتي، بسبب أطنان الأسلاك الشائكة وعوارض الكونكريت، لكنه سيعود يوما.. قد يقرأ أنني ما أزال أذكر عيد ميلاده، لكنه إن عاد، سيقرر أن يرجع الى حيث لا أعرف هارباً من المحاصصة والمكونات، وربما نادماً، لم تكن تضحيته سوى قبض ريح، نادماً أنه تسبّب بكل هذا الوجع والأسى لنا، لابنه الوحيد ولوالده الذي توفي وهو ينتظره، لعائلته، لأصدقائه، ولي.. لو عرف كم نفتقده، لخجل من غيابه.. حتى إن كان قسرياً.