جمعة اللامي/
بقي جوزيف ستالين، أياماً في مكتبه، لا يستطيع أي من أقرب معاونيه الدخول عليه، لأنهم كانوا قد انتزعوا تماماً، من شجاعتهم الشخصية، ولم يعد لديهم ما يربطهم بهذا المخلوق الإلهي المكلف بالحرية: الإنسان. وكان هذا، أيضاً، حال عدد من المثقفين والأدباء والأكاديميين الروس وغيرهم..
“دعي أغنية الحبّ هذه، ولا تصبي السمّ في قلبي، أنا شاب لكني نسيت شبابي…”
(بوتيف – شاعر بلغاري)
وهي حال انتقلت إلى عدد من نظرائهم من مثقفي بلدان العالم الثالث، بل وحتى بعض البلدان الأوروبية.
لكنْ، بعدما تأكد للناس أن ستالين مات فعلاً، حدث الزلزال الكبير، كما وصفه ذات يوم الشاعر يفتشينكو، ليبدأ كل مواطن في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق يستعيد فرديته ويلجأ إلى نفسه يخلو إليها ويحاورها، بدل مواجهة تمثال الزعيم وبثه عواطف آيديولوجية معلبة. كان ذلك مع بدايات النصف الثاني من القرن الماضي، ولم ينته بعد، فلا تزال بعض تظاهرات موسكو تشهد بعض العجائز يحملن الصورة التقليدية لذلك الرفيق الميت.
إن ثقافة “الفرد” الملهم، الشجاع، المخلّص، او الذي أسبغ عليه إعلام قميء صفات ” إلهية”، هي منظومة متوارثة من عهود سحيقة، فصارت جزءاً من البنيان النفسي لمجتمعات تعودت أن ترتجي التغيير والتطوير من خارجها، سواء بهبة من فرد بشري، أو انتظاراً لمخاريق. وهذه لعمرك نظرة فاسدة، كان الخطاب الديني المتنور الأول في ثقافة البشر مَن دَحَضها وتَجَاوزها إلى بديل كوني لا منتهٍ، يجعل الإنسان خليفة الله في الأرض.
من أجل ذلك، كرست الأنظمة الشمولية عداءً منقطع النظير للدين، لم ينتهِ بتحريمه فقط في بلاد الله، بل قطعت أعناق الأنبياء والرسل والصالحين، في احتفالات شيطانية علنية وسرية. أكثر من هذا، عملت الأنظمة الشمولية، منذ أشكالها الجنينية الأولى – على اختراع منظومات فكرية، تفسر تطور الحياة والأكوان بفعل جامد.
وإلى يومنا هذا توقفت عن الحياة جميع النظريات والمنظومات السياسية والاقتصادية والأخلاقية، التي عزلت الإنسان عن الله، بل إنها محقت تماماً، مع إطلالة البشرية على الألفية الثالثة.
أما العقل الإنساني، الذي يقول إن تراتب بعثات الأنبياء يفسر ما يجري في هذه الحياة الأرضية، وفي كل الأكوان، فإنه لا يزال شاباً جسوراً، ومؤمناً بأن الحرية هبة إلهية.