مناضل داوود/
يبدو أن العقل العراقي لم يتدرب على صناعة الأسئلة المهمة والعميقة التي تنتج فكراً ومفكرين عراقيين، فمنذ القرن التاسع عشر ومع ظهور مفكرين عرب أمثال رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وجمال الدين الأفغاني لم يُستفز العقل العراقي للاشتغال في منطقة التفكير لإعادة إنتاج العقل من خلال نقده حتى القرن العشرين الذي ولد فيه المفكر العراقي علي الوردي كباحث سيسيولجي بحث في مشاكل الشخصية العراقية في كتبه المهمة (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) و (وعاظ السلاطين) حيث كان هناك عدد غير قليل من المفكرين العرب أمثال سلامة موسى وأحمد أمين، حسن البنا، نوال السعداوي، سيد قطب، عباس محمود العقاد وآخرين، بينما لم ننجب سوى المفكر العراقي محمد باقر الصدر.
والسؤال هو لماذا لم ينجب العراق مفكرين كباقي دول المنطقة وماهي الأسباب الحقيقية التي وقفت حائلاً لظهورهم؟ سيقال لنا حتماً أن الكتابة في هذا الحقل الصعب تحتاج إلى استقرار وصبر والعراق لم يتمتع بهذه النعمة التي تساعد الكاتب أن يشتغل في منطقة التفكير ليضع أسئلته المهمة التي تساعد على رقي المجتمع، يقول المفكر التونسي المعاصر العفيف الأخضر: لقد احتاجت أوروبا إلى مئة مفكر لتنتصر على الكنيسة فلماذا لم ينجب العرب، مجتمعين، مثل هذا العدد؟ ظهر في الفكر العربي المعاصر مفكرون عرب أمثال محمد عابد الجابري الذي كتب (نقد العقل العربي) وإدوارد سعيد وجورج طرابيشي ومحمد أراكون وغاب العراق عن هذا الحقل المهم وبقي يزاول كتابة الشعر التي يبدو أنها قدره وعنوان ثقافته، يقول الفيلسوف ابن زريق البغدادي المتوفى سنة 1029: لقد تركنا كل مهمة يدوية واشتغلنا بكتابة الشعر.
ويبدو أننا لا نملك غير هذا المنجز والذي لانريد أن نقلل هنا من أهميته ولكنه تجذر في عقل العراقيين فكان سمة هذا الشعب ومازال بعيداً عن تكوين عقل نقدي تحليلي يساعد على فهم الظواهر الحياتية من خلال نقد الفكر الاقتصادي والديني والاجتماعي من أجل تقويم حياتنا العراقية التي لاترتقي بغياب النقد.