جمعة اللامي/
“خَسِرْتُ معركة ولمْ أخسر حرباً”
(همنغواي)
حين كنا أطفالاً صغاراً، كانت الدنيا كبيرة جداً، أي بحجم حبّة برتقالة، أو بطيخة حمراء.
وحين كنا أطفالاً صغاراً، وبعدما عرفنا أن حبّة البرتقالة، إنابة عن كوكب، أو مجرّة، أو كون لا منتهٍ صرنا كتّاباً وشعراء وفنانين، وهكذا عرفنا فلسفة العمل والأمل. فأي شيء آخر، عدا الفن والأدب والعلم، إلى زوال، مرة بفعل القانون الذي لا يكسره إلا قانون «فوق طبيعي» أقوى منه، ومرة أخرى بفعل إرادة الإنسان، وعمله أيضاً.
وهنا، نصل إلى معادلة العمل والأمل.
منذ بواكير الوجود البشري العاقل على هذا الكوكب، كان رجال ونساء زكّتهم نيران العمل والأمل، وجعلت منهم أُمثولات للأجيال التالية، والأمم التي ستأتي من بعد أممهم. وهؤلاء هم الذين «ربحوا خسارتهم» بعدما عرفوا أن الانسان هو الثروة الحقيقية التي يجب ألّا يخسرها أي عاقل، وأن ما سوى الإنسان باطل وقبض ريح.
هل أدلك على أسماء هؤلاء وقبورهم ايضاً؟
أحدهم: وقد نسيت اسمه الآن، أعاد «ربح خساراته» من رؤية نملة صغيرة، وأحدهم أيضاً، ولم أنسَ اسمه الآن وغداً، هو الروائي الأمريكي إرنست همنغواي، الذي قال ذات يوم: خسرت معركة، ولم أخسر حرباً. في إشارة بليغة إلى فهمه العميق للحياة. ومنهم البرازيلي جورجي آمادو، صاحب رواية “فارس الأمل” التي كانت لأجيالنا إنجيلاً خاصاً.
أعود إلى همنغواي.
هذه روايته «الشيخ والبحر». إنها خلاصة ثقافة العمل والأمل، عند إنسان يعرف مهمته في هذه الحياة الفانية في يوم ما من عمره، أي أنه يتعرض إلى “خسارات كبرى” دائماً، لكنه يصرّ على إيصال «سمكته الحبيبة» إلى الشاطئ، ولو مثل «هيكل عظمي».
فما هي «سمكتك» يا أخي؟
وهل تتذكر «سمكة» الشاعر مالك بن الريب؟
أمّا ذلك الفارس الذي نسيت اسمه، مع الأسف، فإني لم أنس قصته مع نملة منذ كنت ابن الثامنة. فلقد خسر ذلك الفارس معركة مع عدو، وتفرق عنه بعض كبراء جيشه، فدخل اليأس إلى قلبه، حتى رأى نملة تخبر نملة أخرى بوجود حبّة حنطة، فاجتمع النمل وصار طابوراً.
وهنا الحكمة والكمال.