هبانقة ومضاحيك

جمعة اللامي/

إذا أثنى عليك المرء يوماًإذا أثنى عليك المرء يوماً

                      كفاه من تعرضه الثناء

  (أمية بن أبي الصلت)

ما أشبه الليلة بالبارحة، وكل إناء بالذي فيه ينضح. وعلى نفسها جنت براقش. حياء الرجل في غير موضعه ضعف. ليس للرحمة معنى إلا العدل. ليس للقسوة إلا الظلم اللسان سيف مرهف لا ينبو حده، والكلام سهم مرسل لا يمكن ردّه.هكذا قالت العرب في أمثالها.وقالت العرب أيضا: لا تستر على الشر.وجاء في قولهم كذلك: لا يكون العمران، حيث لا يعدل السلطان، وقالوا: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل عقلك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك.وقال أحد العارفين: البلاء سراج العارفين، ويقظة المريدين، وصلاح المؤمنين، وهلاك الغافلين، ولا يجد أحد حلاوة حتى يأتيه البلاء، فيرضى ويصبر.وقال الحكيم العربي: من أراد الغنى بغير مال، والكثرة بلا عشيرة، فليتحول من ذل المعصية إلى عز الطاعة، وأبى الله أن يذل إلا من عصاه.وهذا بعض من نزهة قلب العارف، وقبس من نزهة المشتاق إلى الحكمة، المتوسل طريق قلبه إلى أهل الخلق والمروءة، والقابض على الجمر في أسواق العوام.وهؤلاء غير مضاحيك الألقاب.والفرقة الأولى يكون سيد القوم فيهم خادمهم، وعتابهم صابون القلوب. وحتى غضبهم فيه خير عميم، لأنه مثل غضب العشاق الذي هو مثل مطر الربيع.أما الذي يتكل على غير زاده، فقد يطول جوعه.وعنوانه المضاحيك الأفخم من رضي باحتلال بلده، وسكت عن هتك حرائر وطنه، ورضي بالسحت الحرام.وسألني أحدهم: اكتب لي دعاء؟ فقلت: هو ذاك الذي ناجى أحدهم به ربه: “اللهم لا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا أستغفرك”.وهذا هو عنوان مشهد الرضا.والمضاحيك هم الجهال الذين عناهم الشاعر: إذا الكلب لا يؤذيك إلا نباحه                              فدعه إلى يوم القيامة ينبحوالأحمق “هبنقة” عاقل بين هؤلاء المضاحيك. ولا أحمق منه إلا دغة، تلك الجارية التي اسمها: “مارية بنت مغنج” التي تزوجت صغيرة، فلما جاءها المخاض “ظنت أنها تريد الخلاء” وحكايتها معروفة عند الذين يتابعون فكاهات المضاحيك. وللمضاحيك ألقاب وعناوين، وشنّة ورنّة، وزفّة وهوجة، وسرادقات وهوادج. وهذا هو وجه من شغلته الدنيا، وجسم من اتبع هواه حتى نسي نفسه، بعدما نسي الله.فأين المضاحيك من قول سقراط الحكيم: “ليس العاطل من لا يؤدي عملاً فقط، العاطل من يؤدي عملاً في وسعه أن يؤدي أفضل منه”.