هل أنت رابعهم؟!

عامر بدر حسون /

في انتظار دوري في العيادة تصفحت مجلة طبية وهالني تقرير فيها، لو صح، فإنه يشكل كارثة بمعنى الكلمة!
خلاصة التقرير أن واحداً من كل أربعة أشخاص في العالم مجنون او مشكوك بقواه العقلية، يعني أن ربع سكان العالم مجانين!
هذا يعني، من باب التفصيل، أن كل كاتب أو صديق من أربعة أصدقاء هو مجنون، وفي كل عائلة يوجد نفر مخبّل في الأقل! ومن بين كل أربعة موظفين يوجد موظف مخبّل، ومن كل أربعة دواعش يوجد أربعة مجانين!
ومن بين كل أربع جميلات واحدة مجنونة، ومن بين كل أربع جميلات أكثر من السابقات توجد واحدة أحلى وأكثر جنوناً، وكلما زاد الجنون زاد الجمال والعكس صحيح أيضاً!
ومن بين كل أربعة حلّاقين يمسكون بالشفرة، ونحن مستسلمون لهم، يوجد حلاق مجنون، ومن كل أربعة قادة أحزاب يوجد قائد مجنون! بل أن الإحصائية لا تستثني الأطباء وأساتذة الجامعة والمحللين السياسيين والشعراء وشيوخ العشائر والشعراء الشعبيين والمثقفين والمذيعين.. والعد لا ينتهي!
***
وذات مرة رأى الملك فيصل الأول، ملك العراق، أن وريث عرشه الوحيد الأمير غازي كان مجنوناً، فقال للمسؤولين إن العراق أغلى عليه من ابنه وإن عليهم أن يختاروا ولياً للعهد بدلاً من الأميرغازي!
لكن ساطع الحصري وجمع من المتملقين قالوا للملك إنه إذا سلّمه لهم فسيجعلونه عاقلاً! وهكذا مضى الأمر وقدموا للملك شهادة تقر بأن ولي العهد صار في كامل قواه العقلية!
لكن سيرته لم تثبت هذا، فقد ارتكب مجزرة ضد الآشوريين في العراق، وحارب العشائر، وأصبح هتلري الهوى وافتتح بنفسه أول إذاعة في بيته في قصر الزهور، وكان يذيع فيها ويمثل في التمثيليات التي تقدمها، إضافة الى هواياته الخطيرة في قيادة الطائرات والموتوسيكلات والسيارات. ووصل الأمر به أنه اشترك في انقلاب بكر صدقي عام 1936 ضد حكومته!
وعندما اصطدمت سيارته بعمود نتيجة قيادته السريعة وسكرِه، انقسم العراقيون في سبب موته وأخيرا ذبّوها براس الإنكليز، وعلى هذا توِّج بطلاً قومياً في العراق وخارجه!
***
تذكرت الملك غازي وأنا أقرأ الإحصائية ووجدت أننا من بين كل الدول احتجنا لشهادة طبية تثبت أن ملكنا ليس مجنوناً.. الأمر الذي يأخذنا لافتقار الضباط المولعين بالانقلابات العسكرية الذين حكمونا ضابطاً إثر ضابط الى شهادة تثبت أنهم عقلاء! حتى انتهى الأمر إلى صدام الذي اختلط عنده جنون العظمة بجنون الجريمة فصرنا في هذا الحال.
والآن فإنني لا أدري كيف أطبق هذه الإحصائية الدولية على مسؤولينا؟
هل يجوز القول إنه سيكون لدينا وزير مجنون من كل أربعة وزراء فقط؟
وهل لدينا نائب مجنون من كل أربعة نواب في البرلمان بس؟
شكلنا سابقاً وحالياً لا يدل على هذا، إذ ربما كانت النسبة أكثر!
لهذا تفسير بالطبع، فإما أن الإحصائية الدولية غلط في غلط (وهذا أريح للجميع) أو أن نبدأ حملة لاصطياد المجانين في مجتمعنا.. لكن هذا الحل محفوف بالمخاطر إذ أن المجانين، الأكثر حيوية ونشاطاً، هم من سيصطاد العقلاء ويرسلونهم للشمّاعية!
لا حل، والحال كما ترون، إلا بتشريع قانون يلزم الصغير والكبير بتقديم شهادة طبية تقول إنه من العقلاء قبل تسليمه أية مسؤولية او أي سلاح.. وهو حل عظيم دون شك شرط السيطرة على سوق مريدي المختص بتوفير الشهادات عند الطلب!