عامر بدر حسون /
انحشرت الحافلة الكبيرة في منتصف النفق ولم تستطع التقدم أو التراجع.
وابتدأ النقاش بين الركاب في كيفية الخروج من هذه الورطة، وانقسموا إلى قسمين وتبنوا رأيين أحلاهما مر:
القسم الأول كان يؤكد أن تحطيم سقف الحافلة هو الحل الوحيد الذي يسمح لها بمواصلة الرحلة رغم الأمطار والبرد العاصف.
والقسم الثاني ردّ بأن رحلة السلامة تتطلب تكسير سقف النفق، وليس سقف الحافلة، لتستطيع الحافلة الخروج سالمة.
***
وكان في قسمي الركاب شعراء شعبيون وسياسيون وحتى مثقفون وصنّاع متفجرات! وقدّم كل مختص صورة وردية، وببلاغة عالية المستوى، للحل الذي اقترحه فريقه، وارتفعت أصواتهم عالياً واتهم بعضهم البعض الآخر بشتى التهم:
فهذا يقول أنت عميل للحكومة ولا تريدها أن تخسر قليلاً في إعادة البناء، ولذلك تعترض على تهديم النفق، وذاك يقول بل أنت العميل لمالك الحافلة وكل هدفك هو المحافظة عليها سالمة!
وكلما تدخل الحكماء لتهدئة الجو والتفكير أكثر كان الرد يأتيهم باستنكار: وهل يوجد حل ثالث حتى نبحث عنه؟! لقد حشَرَنا من صمَّم النفق ومن صمَّم الحافلة في هذه الورطة كي لا نمشي مثل بقية العالم!
***
وعادت الضوضاء للارتفاع وأدلى كل راكب برأيه، حتى لو لم يسمعه أحد، فالمهم أن يكون له رأي في الأمر!
***
وكان في الركاب ذلك الفتى الصغير (والذي يظهر في كل حكاية محرجة لحسن الحظ) يحاول المشاركة في النقاش الصاخب، لكنه كلما همّ بالحديث منعته أمه او أحد الكبار، بل إنه تعرّض للضرب من أحد صنّاع المتفجرات، وصرخ فيه شاعر شعبي وارتجل أرجوزة عن الأهل الذين لا يعرفون التربية!
لكن الطفل بقي يقول: عندي الحل.. عندي الحل!
وأمام إلحاحه قال أحدهم بسخرية:
المثل يقول: “خذ الشور من رأس الثور”، وهذه المرة سنأخذ الشور من رأس العجل!
تقدم الفتى والعيون تنظر إليه شزراً وقال:
لن نهدم النفق ولن نحطم سطح السيارة ! بل.. سننفّس عجلات الحافلة قليلاً قليلاً حتى تستطيع السير والخروج!
وهو ما فعله الركاب وهم يلعنون الشيطان الذي منعهم من رؤية هذا الحل السهل!
***
لم يريدوا الإقرار بأن هناك حلاً ثالثاً ورابعاً وأكثر لأية مشكلة، ولم يكن من السهل عليهم التخلي عن حججهم البليغة أمام رأي من فتى صغير.
لم يلاحظوا أن ما منعهم من الوصول إلى الحل هو عدم بحثهم عن حلٍّ سهل.. فعقولهم وطريقة التفكير السائدة عندهم والتي تربوا ونشأوا عليها جعلتهم يبحثون عن الحل عند صاحب الصوت الأعلى، والمستعد لأكثر الحلول عنفاً وتدميراً!
***
ولو هدأ الصخب قليلاً في العراق وتأمل العراقيون في حالتهم الحاضرة ونظروا إلى دول العالم وكيف تحل مشكلاتها بالتي هي أحسن، لوجدوا الحل.. أو لبحثوا، في الأقل، عن طفل حكايتنا وسألوه:
– هل أنت متاكد أن وضعنا ومسيرتنا بحاجة إلى تنفيس احتقاننا بعض الشيء؟!
لكنهم، وا أسفاه، أصحاب عقائد ولا يحبون التفكير.. فالتفكير قد يدفعهم للتنازل قليلاً!
فوا أسفاه مرة أخرى!