#خليك_بالبيت
حسن العاني /
حتى هذه اللحظة اجهل لماذا اختار اجدادنا الاشوريون (الثور المجنح) رمزاً لدولتهم، ولكن الغريب ان هذا الاختيار توافق مع ما تحدثتْ به (تواريخ) وادي الرافدين الميلادية والهجرية والقديمة والوسيطة والحديثة والمعاصرة، من ان المواطن العراقي (الكريم) كان ومازال اشبه بثور الحقل الذي يحرث الارض طوال عمره، حتى اذا كبُر ووهن وهزل وبان من هزاله العظمُ، ذبحوه طلباً للثواب، أو باعوه بثمن بخس، كذلك وجدتُ نفسي، بعد ان انهكتْ اعوامُ الجراد جسدي، واتعبتْ رحلة السياسة واكاذيبها رأسي، وخذلني الاحبة.. فلزمتُ بيتي لا ابرحه الا لشراء علاج او زيارة طبيب!
ملازمة البيت (حوّلتني) في نظر زوجتي الى (ضُرّة) لا تطيقني ولا اطيقها- وهي التي كانت تعمد الى مئة حيلة وحيلة لكي لا اغادر المنزل- ولهذا لجأت الى احفادي، اجالسهم وأُقلدهم، بحيث بدأت اتابع مباريات كرة القدم، وابتعد مثلهم كذلك عن نشرات الاخبار وتصريحات المسؤولين وحوارات النواب الذين اصبحوا محللين سياسيين، وقد اكتشفت- ولو في وقت متأخر- ان ثمانين بالمئة من المسؤولين والنواب كانوا يضحكون على ذقني وذقون الناس منذ عام 1958، ويبدو ان احفادي- وجميعهم مواليد العهد الديمقراطي- كانوا اكثر ذكاء مني، فجنبوا انفسهم مخاطر التصريحات، ومن فضل الله عليهم انهم لم يبلغوا سن الانتخابات والاصابع البنفسجية!
القريبون جداً مني يعرفون بأنني انحدر من ابوين ديمقراطيين بالولادة، ومن هنا تركتُ احفادي يعبرون عن مشاعرهم وارائهم بمنتهى الحرية، وانا مثلهم تماماً وبالحماسة ذاتها اعبر عن انفعالاتي… اقفز واصرخ واصفق وامدح واشتم، وفي بعض الاحيان تصدر عني (الفاظ) لا يصح ذكرها امام الاحفاد، ومع ذلك لاحظتُ بأنني اختلف اختلافاً نوعياً عن موقفهم، وهذا امر طبيعي لكونهم ولدوا وعاشوا وتربوا على ديمقراطية (العراق الجديد)، فقد كنتُ اصرخ واصفق كلما تمّ تسجيل هدف لصالح هذا الفريق او ذاك، وهي طريقة ينكرها احفادي، لأن الصواب عندهم ان يكون المشجع مع فريق واحد فقط، تماماً كما هي الحال بين اتباع الكتل السياسية، إذْ عليكَ الوقوف الى جانبِ كتلتكَ، حتى لو كان خصمكَ على حق وانت على باطل، وهذا يعني اننا مازلنا متمسكين بشعار (انصر اخاك ظالماً او مظلوماً)، وإن دماء الجاهلية هي التي تجري في عروقنا!!
اعترف ان متابعة (القدم) اراحت (رأسي)، الا ان ثمة منغّصات خدشت متعتي، من بينها ان احفادي انصرفوا عن الدوري العراقي الى الدوريات الاجنبية، ومن بينها ان العراق الغني جداً يفتقر الى ملعب واحد عليه العين، ولكن اشد ما ازعجني وانا اتابع المباريات هو سوء التحكيم، خاصة بعد ان اصبح ظاهرة مقلقة بسبب تفشي وباء الاخطاء المكشوفة التي طالما غيرّت النتائج بطرق ظالمة ومجحفة، سواء عن قصد ام عن سوء تقدير، وكانت دهشتي عظيمة حين اكتشفت ان (حكام) كرة القدم يمتلكون سلطات مطلقة، وانهم اكبر من اي اعتراض، وبمقدورهم السكوت على اعظم الاخطاء او طرد اي لاعب على مزاجهم بتهمة المخاشنة مثلاً، في حين كنت اعتقد بأن مثل هذه السلطات الفرعونية حكر على رؤساء الحكومات فقط… ومع ذلك فان حضارة الابتكار في عالم الرياضة حسمت هذه المعضلة باختراعها جهاز (الفار) ولكن المشكلة ان حضارة السياسة لم تبتكر جهازاً مماثلاً لتصويب القرارات المدمرة التي يرتكبها رؤساء الحكومات (في… العالم) ضد شعوبهم المسكينة!!
النسخة الألكترونية من العدد 361
“أون لآين -4-”