أحمد هاتف/
يغدو الرجل وحيدا في حالين.. حين لايجد نفسه إلا شبحا في مرآة.. أو اسما عابرا في ثرثرة سمجة… وحين يعلو على العالم بوعيه.. فيغدو كالطائر فوق أرض معركة.. كل شبر مكمن رصاصة وكل تحليق قتل.
الوحدة.. حبر غامق في عتمة كابية.. الشيء لايميز الشيء.. لأن الدكنة متآخية.. أخال نفسي وحيدا في الصخب.. لأن الصوت لايجد مقعد إصغاء في الزحام فتظل الكلمات واقفة.. والنظرة حيرى… حتى الدهشة هنا سرعان ماتنكسر..
أن تكون وحيدا.. يعني أن تكون أعزلا أمام حنين يشتد.. أمام مرآيا ذاكرة ملأى بالصخب والعطر والماء والبن والقبلات.. الرجل وحيدا حين لايجد صوت عينيه في مرآيا من يغرم بها… مجردا من ملامحه حين يهاتف لا أحد…
رجل المبغى وحيد.. ورفيق السيدة العابرة وحيد.. ومن لايتقن الغناء في أعالي السكر وحيد…
يغدو الرجل وحيدا حين يتأمل ولايفكر.. حين يفكر ولايحيا.. حين يكتب ولايعانق.. حين ينكسر ولايبكي.. حين يحب ولايغرق.. حين يصل آخر أيامه من دون إدراج ملأى بالذكريات.. سؤال السؤال وحدة.. وأهمال الإجابة ضجر.. وعدم السؤال حزن.. الوحدة ترف العابق بالمحبة.. ووجع الذي يشتري الحب…
لا يكون الرجل وحيدا مع عقل جاف.. ولا يكون الرجل وحيدا مع عطر جف في الذاكرة.. الوحدة كيمياء الحي.. لأن الذي يمكث في العمر يولد مجددا.. هكذا الوحدة إعادة تدوير المعنى أحيانا كما إعادة تدوير الحب..
في الوحدة البيضاء نرمم وجه الغائب.. ونركب ماتناثر من «ميكانو» الحكاية.. لننتج الندم وربما الغفران وغالبا الحنين..
لاتستوي الوحدة تامة حين تكون بلا أنيس في رأسك.. القهوة تجعلها أكثر سعة لأنها توقظ في التنبيه وجوها كانت خاملة وتعيد توضيح سطورا خبت.. السيكارة ملح الأفق الماسخ.. لتكتمل الوحدة.. ينبغي رتق شقوق الشك والضجر وأرخاء ستائر الغفران
لايستوي الحب والوحدة.. ولا الأبوة تستوي.. فالوحدة أم غالبا مايعطفها رحمها للحنين.