عامر بدر حسون /
لا أحد يعرف من انتخب النساء في برلماننا الجديد؟ النساء أم الرجال؟ لكن لو كان الذوق عندنا له اعتبار لكان من الطبيعي أن ينتخب الرجال النساء.
ولقد مرت أيام وأعوام على المرأة وتحررت فيها من كثير من القيود في البلاد التي تقدِّر الكرامة البشرية، فيما ازدادت عندنا قيوداً وأغلالاً، ولا أقصد بالقيود والأغلال القول إن الجدّة السافرة تنظر الآن لحفيدتها المحجّبة نظرة من ضاع جهده هباء، فالحجاب من حق المرأة تماماً كما هو من حق الرجل! شأن رجال الطوارق الذين يتحجّبون فيما نساؤهم سافرات، وهو الأصح عند كل صاحب ذوق!
لكن الغالب في الحياة قلة الذوق. والقيود التي أعنيها هي تحميل الرجال للنساء “مِنّيّة” تحريرهن، وهذا غير صحيح. فالرجل عندما يعترف بكرامة المرأة ويحافظ عليها، فهو إنما يحرر نفسه أولاً ويحفظ كرامته. أما فتح الأحزاب الباب لها للإسهام في العمل السياسي، فهو إسهام استفادت منه الأحزاب أكثر، ففي العمل السري هن أكثر قدرة على التخفي وحفظ الأسرار، خلافاً للرجال الذين يتباهون ويستعرضون نضالاتهم فيكشفون تنظيماتهم بهذا التظاهر.
والجديد هنا أن الرجال لا فضل لهم في تحرير المرأة! فقد شاهدت خلاصة دراسة قامت بها سيدة أوروبية قالت فيها للرجال بكل فصاحة: “لا خلفت عليكم”! فقد استنتجت أن من حرر المرأة هي تلك المصنوعات المنزلية المذهلة:
الغسّالة والثلاجة والمكنسة والفرن والطباخ وغيرها! فهي التي اختصرت اكثر من سبعين في المئة من الوقت الذي كانت تقضيه المرأة في الطبخ والنفخ، وإن هذا الوقت هو الذي أتاح للمرأة أن تتحرر وأن تشوف دربها وتصبح أشطر وأجمل.
وإذ أرى في هذا زاوية نظر جديرة بالتأمل والاحترام، أضيف أن حماقات الرجال، وأبرزها حماقة الحروب، هي التي ساعدت المرأة في التخلص من ثيابها الثقيلة وخصوصاً الحرب العالمية الثانية، فقد توجهت المصانع لصنع الملابس العسكرية، وقَلّ القماش العادي وارتفع سعره، فاضطرت المرأة، وبكل سعادة، الى تقصير التنورة الى تحت الركبة، ثم عند الركبة، وتعرفون أين وصلت اليوم؟ وعندنا أغنية قديمة لحضيري أبو عزيز تطالب المرأة بتقصير زبونها والتحجج بقلة الخام، ولعلها من أيام الحرب.
الصناعات التي وفرت للمرأة وقتاً هي التي حررتها، وسوى ذلك من أحاديث الرجال محض ادعاء. ثم أنني شاهدت سيدة ألمانية، تعتبر من السيدات الأكثر نجاحاً في المال وتحقيق المساواة، تقول بوجوب إلغاء يوم المرأة لأنه يدل على عدم المساواة، ولها في هذا فلسفة فهمتها زوجتي وأنا.. لم!
ولأن عنوان الزاوية هو “ودارت الأيام” فعليّ أن آتي بمثال عن دورة الأيام، فأقول إن معركة السفور والحجاب اشتعلت في العراق أوائل القرن العشرين فوقف رجال الدين ونخبة المجتمع ضد السفور ونعتوا المطالبين بالسفور بالكفر لأن السفور الذي يطالبون به هو الكفر!
ودارت الأيام.. وصار مطلب رجال الدين والمحافظين، في أيامنا هذه، هو ما كانوا يعتبرونه كفراً! إذ أن السفور المرفوض آنذاك كان هو بالضبط مايسمى اليوم “الحجاب الشرعي”، والذي ترتديه أكثر من نصف نائباتنا الآن.
ويالها من دورة أيام عجيبة!