يا ما جاب الغراب لأمه

نرمين المفتي /

علميا، يعدّ الغراب من بين الحيوانات التي تتمتّع بذكاء لافت قد يكون ورثه من جدّه الذي بعثه الله سبحانه، كما جاء في سورة المائدة، الآية ٣١، ليُري قابيل كيف يواري سوءة أخيه الذي قتله ويدفنه في الحفرة التي حفرها ذلك الغراب.. ولكن الذكاء ليس كافيا، أحيانا، لإدامة المطلوب. فالمثل المصري (يا ما جاب الغراب لأمه) أصله أن كل شيء يلمع يجذب الغراب ليلتقط، مثلا، قطعة مرآة مكسورة أو ورق نايلون ممزّق أو قطعة فافون كان يوما غطاء قدر أو غطاء قلم حبر تاه عن القلم وغيرها من اللوامع ويأخذها لأمه التي بدورها تحتفظ بها وكلها أشياء بلا فائدة! لكنَّها سعيدة بها فقط لأنَّها تلمع.. وفي العراق نقول إنّ الغراب لص أو (حرامي) لكنَّه يسرق أشياء لا فائدة منها أيضا، مثلا يسرق صابونة مستعملة ويعطيها لأمه التي لا تتمكن من تناولها أو إعطاء أجزاء منها لصغارها..
وقطعا لا ننسى السؤال البليغ (حمامة لو غراب؟) لأنَّ نوح (ع) أرسل الغراب ليكتشف اليابسة بعد أن هدأ الطوفان ولم يعد لأنَّه رأى جثة حيوان طافية وانتهز الفرصة لأكلها وقام بإرسال الحمامة التي رجعت اليه بغصن زيتون وآثار طين بين أصابع رجليها وعرف أن البر قريب وكافأهم بأن جعل من غصن الزيتون قلادة حول رقبتها لتصبح رمزاً للسلام، بينما أصبح الغراب الذي خانه ذكاؤه رمزاً للخراب ولا أنسى الإشارة إلى المثل الأشهر الذي يستخدم به الغراب وهو (غراب يقول لغراب وجهك أسود)..
قالت الأم التي ضحت بالكثير ليكبر ابنها الذكي المتفوق في دراسته بأمان وسلام وكانت تتباهى به أمام قريباتها، وكبر الولد الذكي وأصبح كل يوم يفاجئها بقرار، سيغيّر كليته وغيرها ورسب لسنتين ليرقن قيده وقرّر أن يهاجر وفي كل قرار لا تتوقعه منه، كانت تحدّث نفسها وتقول: (يا ما جاب الغراب لأمه) وهاجر ورجع بعد سنوات وسألته (ها..ابني حمامة لو غراب؟) ولم يجبها، وأيقنت أنَّه فشل مرة أخرى وحين زاره صديقه الفاشل، فاجأها ابنها وهو يحمل صديقه وزر فشله وكان عليه أن لا يخطئ في هذا الموضوع أو ذاك ولم تصبر الأم وصاحت بابنها (غراب يقول لغراب وجهك أسود) وذكرته بفشله في الدراسة وفي الهجرة، قال لها بأنَّه ليس مسؤولا عن فشله مثل صديقه إنما خانه ذكاؤه الذي اعتمد عليه وأنَّه قرّر أن لا يفسح المجال لذكائه من الآن وصاعداً.. وضحَّت الأم للمرة التي لا تعرف عددها وباعت ما تبقى لديها من ذهبها وافتتحت له محلا يليق به وكادت أن تقضي حزنا حين اكتشفت بأنَّه يستغل الآخرين بل ويستغل تضحياتها وأنَّ ذكاءه الذي طالما تباهت به حوّله إلى خبث ونفاق واستغلال وقرَّرت أن تكتب قصتها بمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي وتطالب بدراسة حالة ابنها الذي ما تزال تحبه جدَّاً وتحاول إصلاحه دون إشعاره بأنَّها كشفت خبثه وأن تعيده ذلك الابن المتفوق الذي كان كالحمامة وتتساءل عن الأسباب التي جعلت منه غرابا؟