نرمين المفتي /
تمنيت كثيراً أن اقضي سنواتي بعد التقاعد في الهند، لكن حلقات وثائقية عن الصين على ناشيونال جيوغرافيك أصابتني بالكآبة من جهة ومن أخرى جعلتني أتمنى أن أقضي تلك السنوات في الصين..
أظهرت الحلقات طبيعة جميلة تفوق الخيال في موقع على ارتفاع ١٨٠٠ متر اسمه (بوابة الفردوس) يتوجه اليه سنويا ملايين السيّاح، وحقيقة انه فردوس أرضي وان كان الصينيون ينظرون من خلاله الى الفردوس الذي يتخيلونه في مكان ما.. وأظهرت الوثائقية اكبر تمثال لبوذا منحوت في الجبل او نحت الجبل على مدى ٩٠ سنة ليكون أكبر تمثال جبلي في مدينة ليشان.. ولا غرابة ان الذي ينحت الجبل يحوّله ايضاً الى مزارع رز.. على مدى ألف عام حفر الصينيون الاويغور (احدى قبائل العرق التركي) أحواضا في الجبال لتمتلئ بمياه الأمطار ولتصبح من اكبر مزارع الرز في العالم..
الصينيون ٥٦ عرقاً، بينهم ١٨ عرقاً عدد أفراد كل واحد منها مليون تقريبا ويشكل الباقي سكان الصين البالغ عديدهم ملياراً و ٤٠٠ مليون انسان، وبينهم عرق الهون (أصل العرق التركي في العالم كله) ولكل عرق لغته وعاداته وديانته، لكنهم يقدمون انفسهم كصينين فقط ولم نسمع مسؤولاً صينياً، الآن وسابقا، حين يتحدث عن الصين، يشير الى (مكونات) شعبه!
من حق هذا الشعب الذي حوّل الجبال الجرداء الى مزارع رز والى مواقع سياحية باذخة الجمال ان يفتخر بنفسه وان يحول دولته من واحدة من الأفقر في العالم الى أغناها..
ونحن في العراق
أصبحنا نستورد حتى الكرفس، وكل الخضراوات والفواكه التي نشتريها، اما نستهلكها خلال يومين او نرميها بسبب تعفنها السريع، لأن التاجر العراقي، صاحب الضمير الحي، لا يستورد الخضراوات والفواكه الصحية انما يستورد المستنبتة بالهورمون المسرطن.. وطبعا لا توجد أية رقابة صحية عليها، ورغم صدور قرارات تمنع استيراد المنتجات الزراعية، ما تزال الاسواق و العلوات (زاخرة) بها!
نحن في العراق، شعارنا (وين ما ينكسر خل يبقى)، بينما في الصين لا يكسرون وان حدث سهواً، يقومون بإصلاحه، حتى لو كان صحناً صغيراً في مطبخ منزلي.
فرق كبير بين شعب قرر ان يعيش موحداً بمختلف أعراقه ولغاته ودياناته وبين شعب كان موحداً وأضاعوا له هويته الوطنية وحولوه الى مكونات، وحولوا بعض مناطقه الى (متنازع عليها) وكأنها ليست داخل بلد واحد! .. بين شعب يزرع الجبل وأخر لا يزرع حتى الأرض المنبسطة والصالحة للزراعة.. بين دولة تحاسب الذي يضيع من ميزانية أية وزارة او دائرة الف دولار الى دولة ما تزال تؤكد انها ستضرب الفاسدين بيد من حديد والفساد مستمر.. ربما تم إرسال وفد الى الصين للتعاقد على صنع يد حديدية..!