د. علي الشلاه/
في منتصف الثمانينات تماماً حلت ألفية شاعر الحجازيات الكبير الشريف الرضي، وكنت يومها طالباً في المرحلة الثانية في كلية الآداب جامعة بغداد، وقد اقيمت الاحتفالية في قاعدة المتحف قرب منطقة العلاوي ببغداد، وقررت وأنا العاشق للسيد الشريف الذي تتوهج شاعريته في داخلي كلما قرأت بيته الرائع
وتلفتت عيني فمذ خفيت
عني الطلول تلفت القلبُ
ومضيت يومها وكان جل الأدباء والأكاديميين المعروفين لاسيما أساتذتنا في قسم اللغة العربية متواجدين في الأمسية الأولى التي أدارها الناقد الكبير الراحل د.عناد غزوان، وكان المحاضر الرئيس فيها الدكتور أحمد مطلوب عميد كلية الآداب لسنوات عديدة، وكان عنوان بحثه “الشريف الرضي ناقداً”. وبعد أن قرأ د.مطلوب بحثه قررت أن أتداخل .. أنا الطالب الشاب الذي يروم الرد على أساتذته ولأن د.غزوان يعرفني جيداً وقد درسني قبلها، فقد اعطاني الكلمة فتساءلت بعد الثناء على الشريف سليل العترة الطاهرة.. كيف نعبر عنه أنه كان ناقداً وهو الذي كتب مفسراً للقران الكريم وشارحاً للحديث النبوي وجامعاً لخطب نهج البلاغة، فهل كان الشريف ناقداً على الله أم على رسوله “ص” أم على الامام “ع”؟
ما أن أتممت مداخلتي وجلست حتى جاء رجل أنيق المظهر وجلس الى جواري ومد يده اليسرى وشبكها بيدي اليمنى، وظل جالساً طوال وقت الندوة وقد نجحت في لفت انتباه الصديق حسن ناظم “أستاذ كرسي اليونسكو في جامعة الكوفة حالياً” وكذلك الدكتور عبد الاله أحمد رحمه الله والشاعر عبد الرزاق الربيعي قبل أن تنتهي الندوة ويصحبني الى غرفة الاستعلامات، ويأخذ هوية الكلية مني ويغلق الباب علي، في حين وقف بالباب الدكتور عبد الاله أحمد والصديقان حسن ناظم وعبد الرزاق الربيعي وهم يشرحون له بأنني لم أهن الدكتور مطلوب “الذي قال برده أن تلميذه وزير الثقافة هو الذي كلفه بالكتابة عن الشريف الرضي تحت هذا العنوان فعقد الأمر عليّ بشدة دون أن يقصد.
ثم بدأ الرجل يجري اتصالات مع رؤسائه من غرفة مجاورة، واستغرق الأمر أكثر من ساعة قبل أن يقرر السماح لي بالذهاب، واحتفظ بهويتي وأخذ عنوان سكني في الأقسام الداخلية الذي لم أذهب له بعدها، كما غبت عن الكلية لأسبوع قادم وظللت أتابع الأمر عبر الأصدقاء لاسيما حسن ناظم الذي بقي معي حتى اللحظة الأخيرة.
رحم الله الشريف الرضي فقد كاد أن يودي بي ويمتنع قلبي عن الالتفات ابداً.