عامر بدر حسون /
لم يؤلف العرب كتابا في الجاهلية او الاسلام الا بعد مضي مئتي سنة تقريبا على وفاة النبي محمد (ص).
لم يكن ذلك التخلف عن التأليف بسبب كثرة الامية، فقد قام الرسول باطلاق سراح الأسرى مقابل قيامهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة، وهي حادثة ربما كانت غير مسبوقة في التاريخ، والمعرفة تحرر الاسير من عبوديته كما حررته من جهله.
لكن اعلاء الاسلام لشأن الكتابة والقراءة هُزم لفترة غير قصيرة امام قيمة جاهلية بقيت سائدة ومؤثرة لوقت غير قليل.
***
هذه القيمة تمثلت باحتقار العرب لكل من يكتب على ورقة بدلا من الاعتماد على ذاكرته!
فمن يكتب يُعتبر عاجزاً ولا مكان له بين الرجال.. وكان الاحتقار والاستصغار أكثر لكل من كتب كتاباً بالطبع.
كان الحفظ عندهم هو الأساس، والاكثر حفظاً هو الاكثر علماً ومعرفة وجمهوراً.
***
وكان للشعراء الكبار حفّاظهم ورواة اشعارهم، وقد امتد هذا الامر في الشعر لعهود متاخرة حتى بعد التدوين، لذلك تجد في دواوين الشعراء القدامى، التي تم جمعها فيما بعد، الكثير من الاضافات والتحريف والنسيان.. الامر الذي يحيلنا الى ما لحق الحديث النبوي (الذي بقي دون كتاب لمئتي سنة) من تحريف واضافات.
والواقع ان العرب لم ينتجوا ويحفظوا لوقت طويل جدا شيئا مثل الشعر الذي كان يعتمد على الرواة في حفظه وتذكّره.. واغلبه يشبه بعضه في الفخر والمباهاة والمبالغة و التبجح فيهما، والغريب ان بعض هذا التبجح منه وصل الى المناهج المدرسية كما في هذا البيت “اذا بلغ الفطام لنا صبي/ تخر له الجبابر ساجدينا”!
***
الامر الاكثر تدميراً حصل في التدوين والتأليف الديني، فكله منقول شفوياً، واغلب التدمير والجرائم التي ارتكبتها داعش استندت في ارتكابها لروايات واحاديث نسبت للنبي ولاسند لها سوى ان الراوي فلان عن فلان.
لقد اعتمد المسلمون في احكامهم وفقههم (بعد ان تركوا القرأن وجعلوا قراءته للبركة فقط) على اوائل الكتب التي أُلفت في العصر العباسي، وهي كتب الصحاح والتفاسير وسيرة ابن هشام، وهي بالمناسبة لا نملك نسخة اصلية منها.
***
وفي العصر العباسي بدأت حركة الترجمة عن كتب اجنبية (وهي بالمناسبة الحل الافضل الذي تحتاجه ثقافتنا خلال العشرين سنة القادمة، والا سنبقى نلوك الهواء والكلمات القديمة، او ما يسمى الكلام الفارغ)!
وانعكست حركة الترجمة على التآليف العربية في العصر الذهبي لبغداد، وتم وضع كتب في الطب والفلك والصناعات والعلوم الاخرى، لكنها كتب قليلة جدا قياسا الى كتب الاحاديث والتفاسير واللغة ورواية الشعر.
وحتى هذه الكتب حوربت بمختلف الاشكال فقد وقفت المدرسة التي تقول بتفضيل النقل على العقل في وجه اي جديد او مبتكر ووصل الامر بها الى التعامل مع علوم كالكيمياء باعتبارها نوعا من السحر والاستعانة بالجان! ونال اصحابها القتل او السجن ومعاملتهم كمشتغلين بالسحر.
***
واذا كنت ترى ثقافتنا السائدة وكانها خالية من الابتكار والافكار الجديدة فربما كان السبب هو انتصار الثقافة الشفوية وثقافة تفضيل النقل على تفكير وابتكار العقل.