إبراهيم الفريجي… يحوّل قدميه لجناحي أمل

#خليك_بالبيت

آية منصور – تصوير: يوسف مهدي /

في اليوم الأخير من الامتحانات النهائية، اجتمع أصدقاء إبراهيم ليتناوبوا على رشق بعضهم البعض بالمياه، إنّها عادة متوارثة بين الطلاب كجزء من توديع بعضهم البعض قبل العطلة، فتقدّم إبراهيم لملء قنينته البلاستيكية بالمياه، والتمتّع بغمر زملائه بقطرات من بهجة الامتحان الأخير، قال أحدهم له: مسكين أنت، لا يستطيع أحدنا رشّ الماء بوجهك، لأنّك لا تستطيع الهروب، ومنذ تلك اللحظة، بات إبراهيم وكرسيه المتحرك، يكرهان كلمة “مسكين” ويعملان على طمسها في حياة إبراهيم وأعماق روحه.
صنع لروحه جناحين من الامل، قاوم رياح اليأس، لم يستسلم، ولم يمنح لقلبه فرضية الاستسلام، تابع ودرس وتفوّق، بحث عن عمل ولم يجد، حتى بشهادته، ولكنَّه اليوم، ومن دون قدمين يحلّق بدراجته، لتوصيل الطعام إلى الناس، إذ صنع من عجلات دراجته قدما تمنحه العمل والحب، إنّه إبراهيم الفريجي، الذي قاوم عوقه الولادي وفقدان قدمه بشتى الطرق.
قلب على كرسي
ولد إبراهيم الفريجي، البالغ من العمر 23 عاما، بعوق ولادي فرض عليه الكرسي المتحرك في جميع تنقلاته، الأمر الذي جعله يواجه الصعوبات بصورة مضاعفة عما يواجهه الاخرون وبين الفريجي بقوله: منذ طفولتي وأنا أحلم بدراسة الإعلام والصحافة، وكان الامر مستحيلا في البدء نظرا للمضايقات التي تعرّضت لها والتنمر الكبير من بعض ضعاف النفوس، لكنّي تمكنت من اجتياز كل هذا، كانت قاعتي الدراسية في الطابق الثاني وساعد برفعي أعلى السلالم البعض من الزملاء، حتى أنّ عدداً من الاساتذة كانوا يحذروني ويحاولون مساعدتي، لذا أنا اتذكر هذه التفاصيل بصورة أكثر .
رحلة البحث عن الحياة
وتخرج، فبدأت رحلة البحث عن المهنة بشهادته وهنا كانت الكارثة، إذ لم يدرك إبراهيم أن البشر بات “معتاشا على المظاهر” في كل شيء، فتم رفضه من عدد كبير من الاماكن التي تقدّم للعمل بها، إذ وحسب قوله، إنّه قد تقدّم باستمارات العمل حتى في المواقع المخصّصة لذوي الهمم بنسبة 5% من وظائفها ولم يفلح الامر معه في كل مرة.
إذ يقول: حاولت في كل مكان وزمان، ولم يفتح لي أحد بابه، فما كان لي الا أن اختار مهنة الديلفري بسبب قلة العمل المتاح لذوي الاحتياجات الخاصة، هل اتوقف؟ بالطبع لا.
المركز الأول في المبارزة
كان الأمر صعبا بالنسبة لإبراهيم لكن ومع مرور الوقت تمكن من تكوين العلاقات الطيبة مع أصحاب المطاعم والتنسيق معهم لتوصيله بأقصى سرعة ممكنة، إبراهيم الذي ينتظر بشغف، انتهاء واجبات عمله، لينضم إلى فريقه والتمرين، إذ يشارك مع المنتخب الوطني لمبارزة السيوف ويعد أحد لاعبيه، موضحا بقوله: انضممت إلى الفريق الوطني للمبارزة منذ عام 2009 بعد اجتيازي اختبارات القوة البدنية والمواصفات الجسمية، حتى أصبحت جزءاً من فريق ذوي الاحتياجات الخاصة، واستطعت نيل المركز الأول بالسيف العربي، وفي المركز الثالث لمبارزة السيف.
يبتسم لنا إبراهيم بينما يشرح لنا عن أهمية اللعبة وتأريخها العربي وحتى طرق لعبها، إذ يعدّها شغفاً كبيراً، يطمح من خلاله إلى الوصول للمحافل الدولية واصفا ذلك التحدي: اتذكر أنّي مرة عملت كمسؤول للحسابات في أحد المطاعم وكان وقت العمل لأكثر من 12 ساعة، أعود بها منهكا ومجبرا على النوم، فاضطر للتمرن في أيام العطل، ولا يصيبني اليأس مطلقا.
أنا محظوظ
ويرى إبراهيم، الذي يعمل في اليوم لأكثر من عشر ساعات متواصلة متنقلا بين الأزقة، إنّه محظوظ للغاية، لكونه تمكن من دراسة ما يحب وما يطمح، والانضمام لفريق الرياضة التي تستهوي قلبه، مؤكدا أنّها ليست مواهب بل أهداف متمركزة في لب عقله، مستمرا بتحقيقها.
قائلا: عملي الحالي مع المواطنين والاحتكاك المباشر معهم عن طريق ايصال الطلبات، جعلني المس تلك الروح الطيبة عند الأغلب، لكن هذا لا يمنع من حصول الكثير من المضايقات والاستغراب لعملي هذا، أنا أعمل بجهدي، لأني لست معاقا، بل إنَّ بعض غير الانسانيين في المجتمع هم المعاقون.