ثريا جواد /
“مازن رياض، ١٦ عاماً، من مدينة الموصل، أصدر روايته الأولى “أسود وأبيض”، ليكون بذلك أصغر روائي عراقي ينضمّ الى المشهد الأدبي. هذا شيء مبهج، فهو يؤكد أن قطاعات عديدة من الأجيال الجديدة لا تجذبها توافه الأمور من الحضور السريع على التواصل الاجتماعي، أو تضييع الطاقة والزمن على ما هو ثانوي وعابر، وإنما السعي للانجاز الأكثر رسوخاً، ومنه خوض المغامرة الأدبية، بكل ما يكتنفها من تحديات وضغوط نفسية”.
هذا ما كتبه الروائي أحمد سعداوي على صفحته الخاصة في (الفيس بوك)، عن الروائي الشاب مازن رياض، الذي اصدر مؤخراً روايته الأولى (أسود وأبيض)، (رياض) المولود عام ٢٠٠٣ في مدينة الموصل التي ما زال يقيم فيها، المنشغل اليوم بدراسته الثانوية – الصف السادس الأحيائي، كما يمارس فضلاً عن الكتابة، هواية الرسم، التي يقول عنها إنها ممارسة ثانوية إذا ما قورنت بالقراءة والكتابة، شغفه الأول في الحياة.
رغبة الكتابة
عن بدايته في كتابة رواية أسود وأبيض وأسبابها، يقول (رياض): ” كنتُ منذ الطفولة حين أشاهد الكتب المصفوفة على الأرفف في شارع النجفي في مدينة الموصل، أحب شكلها، ولكنني لم أكن مهتماً بالقراءة حينها لأن أغلب الكتب التي كنت أراها هي كتب فقهية ودينية أو سياسية بحتة أو كتب عن الطبخ والرسائل والتنمية البشرية، لكنني كنتُ أقرأ بعض القصص القصيرة وقصص الأطفال حينها، وأتذكر أنني بعمر الثامنة أو التاسعة على ما أذكر، أردتُ تأليف قصة، وأتذكر على نحو مشوش بعضاً منها، ولكنني لم أفعل، كنتُ أعلم بأنني لستُ مستعداً بعد”، ويضيف بأنه حين بلغ الثالثة عشرة، عام ٢٠١٧، أي بعد تحرير مدينة الموصل بالكامل تقريباً، وبعد معاناة استمرت ثلاث سنوات من الكبت والظلم والظلام، أحس بحاجته لتجربة شيء جديد، وبأنه يمتلك طاقة أراد تفريغها، لكنه لم يبدأ بالكتابة، بل شرع في القراءة التي اكتشف عوالمها بالصدفة.
يقول (رياض): “قرأتُ معظم المقالات في الكتاب الأول الذي حصلت عليه وكان بعنوان (عالم الأسرار) للدكتور مصطفى محمود، وبعدها اكتشفت مئات وآلاف الكتب بكل أنواعها، بدا هذا العالم مختلفاً ومثيراً لاهتمام طفلٍ هادئ وانطوائي مثلي، لذلك بدأتُ التهامِ الكتب بكلّ أنواعها.
وتنوعت قراءاتي ما بين الروايات والشعر والكتب العلمية والنقدية وغيرها من التصنيفات، وبعد مدة وجيزة، اكتشفت نفسي في هذا العالم الفسيح ووجدتُ صنف الرواية رائعاً. أخذتْ قراءاتي لهذا الجنس الأدبي تزداد حتى طغت على غيرها. وجاء اليوم الذي قرأتُ فيه رواية مجنونة ورائعة، للروائية الإنجليزية أغاثا كريستي، حبست هذه الرواية أنفاسي وكانت مختلفة عن أي شيء آخر قرأتهُ سابقاً، بعد أن انتهيتُ منها، أعطتني شعورٌ بالرضا والاكتفاء، وقررتُ ببساطة أن أكون كاتباً، لأمرر هذا الشعور لغيري”.
القارئ القاضي
تقع رواية (أسود وأبيض) الصادرة عن دارَي سنا وسطور وبدعم مؤسسة بيتنا الثقافية، في ٢٩٠ صفحة مقسّمة على ٣٣ فصلاً وبأربعة أجزاء أو شخصيات، لكلّ منها قضيته وفكرته وعالمه الخاص، حتى تتشابك الخيوط الأربعة في النهاية ليتولد الصراع فيما بينهم، وتنتج فلسفة الخير والشر، الأسود والأبيض، حتى يجد القارئ نفسه في كرسي القاضي، ليحكم في هذه المعضلة الأخلاقية.
ويضيف (رياض): “كتبتُ روايةً كنتُ أتمنّى قراءتها بشدّة، رواية تُشبعني بأحداثها وتفاصيلها وحبكاتها. أسألُها فلا تُجيب، إبل تغمزُ لي ناحية الإجابة أو ربما يضيعُ سؤالي في الفراغ. ربما لم أروِ أشياء لم تُناقَش قبلي، بل كتبَ آلاف الفلاسفة والكُتّاب في فلسفتَي الخير والشر، وترددت فكرة الثنائية والتقابل بين قطبين فكانت عند ابن رشد بين العقل والجهل، وعند فرويد بين الحياة إيروس والعدم ثاناتوس، وفي الديانة الطاوية ما بين اليين واليانغ، ولكنني لطالما أبغضتُ تلك النزعة السفسطائية لمناقشة هذه المفاهيم بعيداً عن وطأة عالمنا الرمادي الفوضوي، أسوَد وأبيَض رواية عن الإنسانِ والحياةِ والهُوية وفقدانها في ظلالِ عقارب الساعة المتسارعة. إنها عن محاولةِ الإنسان في أن يستعيدَ أجنحته ليُحلّق بعيداً عن الجدرانِ الرمادية البليدة التي باتت تحلُم بغزوِ السماء كبُرجِ بابل”.
تطوير الأدوات
وعن مشاريعه المقبلة، قال الروائي الشاب (مازن رياض): “هناك روايات وكتب مقبلة حتماً، أنا قارئ نهم لا أكتفي بقراءة كتاب واحد، لذلك لن أكتفي بكتابة رواية واحدة أيضاً، ولكنني سأؤجل عملية كتابة الرواية المقبلة إلى عام ٢٠٢٢ تقريباً؛ لأنني أريد تطوير أدواتي ولغتي وتقنياتي الروائية”.
أما عن أصداء نشره روايته الأولى، قال (رياض): “لاقت الرواية منذ صدورها صدى واسعاً، لم أتوقعه على مستوى القرّاء أو حتى على مستوى الإعلام، لاسيما بعد أن نشر عنها الكاتب أحمد سعداوي في مواقع التواصل الاجتماعي”.
جديرٌ بالذكر أن رواية (أسود وأبيض) صدرت في مطلع عام ٢٠٢١ بعد تأجيل استمر سنة ونصف السنة بسبب جائحة كورونا، وطُبِع منها ألف نسخة وزعت في العراق والعالم العربي.