الطاقة المتجددة.. حلول لاستقرار الكهرباء ونمو لقطاع الأحمال

بغداد/ مصطفى ناجي
حققت مبادرة البنك المركزي، للتحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة لخفض انبعاث الكاربون وتحسين البيئة، نتائج إيجابية على نطاق ضيق جداً في العراق، بسبب الأفكار الخاطئة المأخوذة من الجمهور عن الطاقة الشمسية، فضلاً عن أسباب أخرى، لعل أبرزها استمرار الدعم الحكومي المستمر لقطاع الكهرباء بالرغم من خسائره ملايين الدولارات سنوياً ،
حسب خبراء ومختصين.

تعد تجربة توليد الطاقة الشمسية من فوق المباني تجربة ناجحة جداً في البلد، إذا ما اعتمدت الأساسيات الصحيحة بموازنة ساعات توفر الكهرباء الوطنية مع ساعات الإشراق الشمسي في النهار، في حال تم الاعتماد على الألواح الشمسية و(الإنفيرتر) فقط بدون بطاريات، إن علمنا أن سعر الألواح رخيص جداً وتصاميمها سهلة، ومنتشرة في كل دول العالم.
تقنية الهايبرد
يوضح مدير مركز بغداد للطاقة المتجددة الخبير محمد شاكر الدليمي أن “المواطن الذي يعيش في الدول التي تشهد انقطاعات مستمرة سيعتمد على مزامنة الكهرباء الشمسية مع المولدة الخارجية، وهذا لا يحقق جدوى، أو الاضطرار إلى مزامنتها مع البطاريات، التي عند اعتمادها ستكون التقنية قد اختلفت وتحولت إلى هايبرد (هجينة) ترتبط بالشبكة الوطنية وبالألواح والبطاريات، ولكن الأولوية ستكون للطاقة الشمسية، فإن غابت الشمس تأخذ من الوطنية، وفي حال عدم توفرها سيتم أخذ الطاقة من البطاريات”.
الدليمي بيّن في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” أنه “في ساعات النهار يتم التزود بالكهرباء الشمسية وشحن البطارية تلقائياً دون الحاجة إلى الكهرباء الوطنية، وفي الليل عند دخول برمجة القطع ساعتين بساعتين ستتاح فرصة لشحن البطاريات أيضاً، علماً أن الشحن لا يأخذ مقدار الأحمال التي تستهلكها أجهزة التبريد مجتمعة في الوحدة السكنية الواحدة”.
شحن البطاريات
ويرى الدليمي “وجود إعاقة لمسيرة انتشار استخدام الطاقة الشمسية بعذر أن المواطن سيأخذ من الكهرباء الوطنية لشحن بطارياته، إلى جانب سحبه الكهرباء الوطنية، فيؤثر بذلك على تجهيز المواطنين! وهذا تحليل قاصر، لأن المواطن يسحب حمل بيته فقط خلال هذه المدة، ولا يسحب أمبيرية عالية. وثالثاً لا يسحب كمية الحمل التي تسحبه أجهزة المنزل مجتمعة.” موضحاً طريقة استهلاك البطاريات (سعة توليد 22 أمبيراً) لكمية الكهرباء الوطنية عند شحنها للمرة الأولى، فهي تستهلك نحو 18 أمبيراً عندما تكون فارغة، وتتناقص الأمبيرات كلما تقدم مستوى الشحن.
واستطرد أن “المنظومات الشمسية لها ميزة أخرى تتمثل بعدم وجود ضائعات في التوليد والنقل والتوزيع، كما هو الحال في الكهرباء الوطنية التي تولد من محطات بعيدة تنقل بالأسلاك ولا تخلو من تجاوزات أو ضائعات، وهذا ما جرت مناقشته في مجلس الوزراء، بغية دعم العمل بالمنظومات الشمسية”.

كهرباء رخيصة
من جهتها، عزت الأكاديمية الاقتصادية نبراس الجابري، من كلية الإدارة والاقتصاد / جامعة بغداد، سبب عدم انتشار المنظومات الشمسية لوجود الكهرباء الرخيصة (المدعومة) التي تكلف الدولة 140 ديناراً، وتبيعها للمواطن بـ 10 دنانير، وهذه عبارة عن خسائر تقدر بحدود 14 مليار دولار سنوياً تقع على كاهل الدولة لدعم كهرباء غير مستقرة أساساً، وإذا ما استقرت فالخسائر ستكون مضاعفة.
مؤكدة في حديثها لمجلة “الشبكة العراقية” أن “المنظومات الشمسية المنزلية تعد من أفضل الحلول التي تسهم في استقرار الكهرباء ونمو قطاع الطاقة في العراق، وتخفيف الأحمال على الشبكة الوطنية، فضلاً عن انخفاض أجور الكهرباء التي يدفعها المواطن، مضطراً، إلى كل من المولدات الأهلية والدولة”.
ورأت الجابري أن “انتشار العمل بمنظومات الطاقة الشمسية ممكن ومتاح، إذا ما علمنا أن ما نسبته 90 بالمئة من منازل المواطنين أفقية، ما يعني إمكانية توليد الكهرباء منها وتوجيه الكهرباء الوطنية إلى المعامل لدعم الصناعة والإنتاج”.
وعن رأيها بمبادرة البنك المركزي في دعم الطاقة المتجددة في العراق، قالت الجابري: إن “مبادرة البنك المركزي تعد من أفضل المبادرات على مستوى الشرق الأوسط، فمبادرة بحجم ترليون دينار (750 مليون دولار) لدعم المنظومات الشمسية فوق المباني، سواء كانت تجارية أو صناعية أو زراعية، تعد نوعية وجيدة، كونها خالية من الفوائد، عدا رسم خدمة 1 بالمئة للبنك المركزي و5 % للمصارف لنفس المدة، ولكن المصارف لم تنفذ المبادرة، اعتقاداً منها أن الربح قليل، لكن كان الأجدر أن يُنظر للمبادرة على أنها خدمة مجتمعية يجب أن يسهموا فيها”.
تصور خاطئ
من جانبه، نبه الباحث الاقتصادي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور علي محمود إلى “تفشي التصور الخاطئ من الجمهور عن منظومات الطاقة الشمسية، الذي ظهر قبل سنوات عند نصب مصابيح الإنارة في شوارع بغداد، ومن ثم رفعها بعد أشهر عدة، وعن مفهوم الطاقة المتجددة لدى المواطن بسبب أن تلك المنظومات لم تكن بالمواصفات المطلوبة”.
وحذر في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” من ظاهرة غش البطاريات الخاصة بالمنظومات الشمسية، التي باتت، للأسف، منتشرة في هذا الجانب، داعياً إلى اقتنائها من الشركات الرصينة والمراكز البحثية المتخصصة في هذا المجال، بما يضمن الجودة، وتفنيد الشائعات، وتشجيع الجمهور بمختلف أطيافه على اقتناء المنظومات الشمسية، لما تحققه من جدوى اقتصادية تدعم الحد من نقص الطاقة الذي يعانيه العراق منذ سنوات. مشيراً إلى وجود أكثر من 30 شركة ومكتباً متخصصاً بالطاقة الشمسية تعمل في العراق”.
بنك أخضر
يذكر أن العراق شهد أواخر شهر شباط المنصرم إطلاق أول بنك أخضر إسلامي في العالم، برأسمال 440 مليار دينار عراقي (نحو 303 ملايين دولار)، كما أفصح رئيس مؤسسي المصرف الأخضر الإسلامي للتنمية المستدامة محمد الدليمي، الذي أعرب عن أمله في أن يعمل المصرف الجديد على إصدار صكوك خضر لتمويل المشاريع، بهدف استقطاب الأموال من خارج النظام المصرفي لتوجيهها نحو مشاريع الطاقة والزراعة.
وكان البنك المركزي العراقي أطلق، بالتعاون مع اللجنة العليا للإقراض في مجلس الوزراء، مبادرة للتحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة لخفض انبعاث الكاربون وتحسين البيئة، بمشاركة خبراء البيئة والطاقة المتولدة من المصادر المتجددة، من أجل وضع الإطار التنفيذي لتمويل مثل هذه المشاريع التنموية، سواء على مستوى الأفراد أو المستثمرين في مجال الطاقة النظيفة.
ويدعم المركزي، بالتعاون مع الجهات المعنية، إعداد ضوابط تلزم أصحاب المشاريع الاستثمارية السكنية بالاعتماد على المصادر المتجددة في تأمين جزء من الطاقة الكهربائية كشرط لشمولها بمبادرته لتمويل مشاريع الإسكان.
بيئة نظيفة
في هذا السياق، باشر البنك المركزي بنصب منظومات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية على عدد من أبنيته في بغداد وفروعه في البصرة والموصل وأربيل لتأمين جزء من احتياجاته من الكهرباء، واصفاً المبادرة بأنها فتحت الباب لتطوير مستقبل الطاقة المتجددة في العراق بعد التنسيق مع وزارتي البيئة والكهرباء.
وفي وقت سابق، دعا البنك ممثلين عن الجهات المعنية في الوزارتين والمصارف الحكومية والخاصة ورابطة المصارف والمستفيدين من مبادرته لمناقشة ضوابط توسيع استخدام منظومات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة على مستويات الاستخدام المنزلي والتجاري والصناعي، وتمويلها بالأقساط للراغبين بالإفادة منها من خلال مبادرة أقرها مجلس إدارة البنك بلغت نحو ترليون دينار. وانطلقت المبادرة برعاية البنك المركزي لتخفيف أعباء نقص الطاقة لدى المواطن وتقليل نسب انبعاث الكاربون في الهواء والمحافظة على بيئة نظيفة في العراق.