إيفان الخفاجي/
تولي دول العالم المختلفة أهمية خاصة لأمن الطاقة والاكتفاء الذاتي، وهناك أكثر من دافع الى هذا التوجه العالمي، أولها ما يشهده العالم من تغيرات مناخية ، تفرض عليه التخلي عن الوقود الأحفوري، ولاسيما النفط، والثاني دوافع سياسية لتحرير أوروبا من هيمنة روسيا على مصادر الطاقة.
وقد تصاعد منسوب الاستثمارات في توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، كما شهدت أسواق تكنولوجيا الطاقة المتجددة في العالم نمواً متزايداً، والسؤال هنا: أين العراق من هذه التوجهات الدولية؟ ولاسيما أنه أحد أكثر الدول تأثراً بالمناخ، كما أنه الأكثر تأثراً بأية تغيرات تطرأ على سوق الطاقة وبدائل النفط، إذ يمثل العراق أحد أكبر الدول المنتجة للنفط، وهو الأمر الوحيد الذي يعطي العراق مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي.
ثمة مشاريع تنسجم مع هذا التحول، وثمة آمال في أن يبقى العراق في طليعة الدول القادرة على إنتاج الطاقة النظيفة وتصديرها الى العالم، وفي أقل الأحوال الحفاظ على أمن الطاقة وما تترتب عليه من تداعيات اقتصادية وسياسية.
وفقاً لدراسات أجريت بتمويل شركة غوغل بالشراكة مع الطاقة المستدامة للجميع: (من أجل طاقة خالية من الكربون على مدار الساعة)، جرى التوصل الى أن عملية إزالة الكربون بشكل كلي من أنظمة الكهرباء لديها القدرة على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل الى 50 بالمئة عالمياً.
في هذا الإطار، تسعى الأمم المتحدة، من خلال الحوار حول الطاقة، الى إحداث تغيير تاريخي للحصول على طاقة نظيفة ومتوفرة للجميع بحلول عام 2030- وهو الهدف السابع من التنمية المستدامة- وصولاً إلى القضاء على الانبعاثات بحلول عام 2050.
إذ تشير الخارطة العالمية التي جرى اقتراحها لسنة 2030 إلى توفير الكهرباء والتوجه إلى طاقة خالية من الكربون عن طريق مضاعفة الطاقة الشمسية والرياح إلى أربعة أضعاف، بالإضافة الى التخلص التدريجي من مصانع الفحم في البلدان الغنية بحلول عام 2030 ومشاريع أخرى لعام 2040. كما تدعو الخطة الى تطوير كفاءة الطاقة بمضاعفة استثمار الطاقة النقية بمقدار ثلاثة أضعاف لتصل الى 5 تريليونات دولار في السنة الواحدة، إلى جانب إعادة توجيه الدعم للوقود الأحفوري وتحديد سعر الكربون. كما أنها تؤكد الحاجة الى فترة انتقالية عادلة تؤمن من خلالها عشرات الملايين من الوظائف البيئية ومساعدة الفئات الأكثر ضعفاً.
في ذات الاتجاه، يقوم التحالف الذي تقوده دول الدانمارك وتشيلي وألمانيا بتفعيل اتفاقية الطاقة بتقنيات الهيدروجين الخضراء بالتعاون مع وكالة الطاقة المتجددة العالمية IRENA والمنتدى الاقتصادي العالمي وغيرها.
قوة دافعة للتنمية
يشير الباحث الدكتور يعرب الدوري الى أن “العالم يواجه تحديات كثيرة أهمها: تأمين الكهرباء في ظل النمو السكاني، ومحدودية الموارد الطبيعية، مع أهمية التكامل والتعاون الإقليمي بين الدول المتجاورة، والاعتماد على الطاقة المستدامة البديلة، ودخول الاستثمارات الخارجية في مجال الطاقة إلى الدول الفقيرة لتأمين الكهرباء، وتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة، لتحقيق الطاقة الآمنة والمتاحة للجميع في ضوء وضع البنى التحتية المطلوبة، كضرورة ماسة لديمومة الحياة.”
غير أن سالفاتور برنابي، رئيس مؤسسة حلول الطاقة يجادل بأن “المنطقة تتمتع بإمكانيات هائلة من الطاقة المتجددة، ولاسيما الطاقة الشمسية، ويمكن أن يكون إطلاق العنان للقدرة الهائلة للمنطقة قوةً دافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.”
ويثير برنابي سؤالاً عن “ما الذي لم يحدث؟” وليس السؤال المطروح تقليدياً وهو “ما الذي يحدث؟” ليصل –بالنتيجة- الى السؤال الأكثر أهمية فيما يتعلق بأمن الطاقة في المنطقة وهو: “ما الذي حد من نمو الطاقة المتجددة؟ وما المتوقع حدوثه إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة؟”
ويؤكد أنه “رغم الإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها المنطقة من حيث مصادر توليد الطاقة المتجددة، إلا أن نصيبها من القدرة المضافة العالمية للطاقة المتجددة بلغ ١٪ فقط في السنوات العشر الماضيات، ولا يزال أكثر من 90٪ من الكهرباء في بلدان المنطقة يأتي من الوقود التقليدي، مع تسجيل معدل انبعاثات للفرد من بين أعلى المعدلات في العالم.”
ويقر أن المنطقة شهدت تغيرات كبيرة في السنوات العشر الماضيات، “ولكن ليس إلى الأفضل”، إذ تأثرت على نحو كبير بتغيرات المناخ من حيث ظروف الجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة الهجرة، فضلًا عن ارتفاع درجات الحرارة.
ويحدد أهم العقبات أمام تحقيق التنمية الكاملة للطاقة المتجددة في المنطقة، التي شملت بُعد الأطر التنظيمية والسياسية -مع استثناءات قليلة- عن تحقيق أهداف التنمية، وتأثر قطاع الطاقة بضعف حركة التجارة عبر الحدود، والانقطاعات المتكررة في خدمات المرافق التي تعاني نقص الإنفاق عليها، الذي لا يتجاوز 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة.
ويعتقد برنابي، أن توحيد الجهود من أجل مستقبل أكثر استدامةً وازدهاراً للجميع يمكن أن يعزز الحوار ويخفف من الآثار الملموسة بالفعل لتغير المناخ، وهو أحد المخاطر الرئيسة في المنطقة.
الشمس أجمل في بلادي
في العراق، حيث الشمس تغطي معظم مساحة اليوم، وتكاد أن تكون أيقونة النهارات العراقية التي لا تخلف موعدها طيلة أيام السنة، هذه الشمس العراقية التي تغزل بها الشعراء، ولاسيما بدر شاكر السياب في قصيدته الشهيرة، يجمع الخبراء على أنها مصدر نهم للطاقة النظيفة في العراق في حال أحسنت الجهات المختصة توظيفها.
في هذا الصدد يوضح كمال حسين لطيف، رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة، وهي هيئة مستقلة ترتبط برئاسة الوزراء، أن “العراق وقّع -منذ عام تقريباً- ثلاثة عقود مهمة في إنشاء محطات للطاقة الشمسية، واحد منها مع شركة توتال الفرنسية بقدرة قرابة 1000 ميغا واط، والثاني مع شركة الباور تشاينا بقدرة 750 ميغا واط، والثالث مع شركة مصدر الإماراتية بقدرة 1000 ميغا واط”، لافتاً إلى أن “هذه المشاريع من المفترض أن تدخل الخدمة وتربط بالشبكة الوطنية في عام 2025”.
يضيف لطيف أن “هناك استعدادات قام بها العراق، بعد توقيعه هذه العقود، منها تهيئة الأرض واختيار المكان المناسب، ومبدئياً هناك أماكن عدة جرى اختيارها لإنشاء المحطات فيها، منها البصرة والأنبار، وربما المثنى، وهي مناطق واعدة بالطاقة الشمسية.” مبيناً أنه “حال إنجاز هذه المشاريع سيتم ضمان دخول بحدود 3 كيكا واط إلى الشبكة الوطنية أي قرابة 10% من الحاجة إلى الكهرباء عام 2030 لمعدل حمل الشبكة الوطنية.”
لكن رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة يلفت إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة ودراسة، لأن من المفترض أن يتزامن مع إبرام العقد وضع آلية لمحطات التحويل، كون الأمر يعد معوقاً كبيراً لسببين: الأول عدم وجود هذه المحطات، والثاني وجود إشكالية بسيطة في موضوع تحمل الشبكة الوطنية لإدخال 3 كيكا واط إلى المنظومة في 2025″.
ويشير إلى أن “هناك مقترحات عديدة من بينها إدخال المحطات على الحلقة الصغيرة المتمثل في تجهيز المحافظات بدلاً من ارتباطها بالشبكة الوطنية التي تعد الحلقة الأكبر، وبذلك قد نستطيع تخفيف الضغط على الشبكة الوطنية، وإن كان في ذلك فقدان حرية التجهيز أو حركة التجهيز من الشمال إلى الجنوب”.
اقتصاد أخضر
الاهتمام بالطاقة النظيفة يأتي من أعلى المستويات في الدولة، إذ يوجد اهتمام بالطاقة الشمسية. يقول رحيم الجعفري، مستشار رئيس مجلس الوزراء، إن “العراق يتطلع لإنتاج 12 ألف ميغا واط من الطاقة الكهربائية النظيفة، بحلول عام 2030.” داعياً الشركات المحلية إلى “الإفادة من هذا المفصل الذي يمكن أن يخفف من الآثار البيئة على البلاد ويوفر طاقة نحن بحاجة لها.”
في منتصف نيسان الماضي، أعلن البنك المركزي تخصيص مبلغ قدره تريليون دينار لدعم الطاقة النظيفة في البلاد، ونقلت رابطة المصارف العراقية عن نائب محافظ البنك المركزي إحسان شمران الياسري، قوله إن “البنك المركزي اتجه منذ مطلع العام الماضي بالتعاون مع وزارة البيئة، الى استثمار مجالات الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة في العراق، وبدأ العمل بتشكيل لجنة خاصة بالطاقة المتجددة، لتجري على إثرها موافقة محافظ البنك المركزي على اطلاق مبادرة بقيمة ترليون دينار.”
وزارة البيئة التي تقر بأن العراق مصنف من أكثر دول العالم تأثراً بالتغيرات المناخية بسبب وجود مشاكل جدية تتعلق بالأمن المائي الذي زاد من مستويات التصحر والعواصف الغبارية، تقول على لسان وزيرها جاسم الفلاحي إن “الوزارة تعمل مع البنك المركزي في مبادرته الوطنية لدعم الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية والتحول نحو الاقتصاد الأخضر”، مبينة أن “الطاقة المتجددة هي الاقتصاد المقبل،” ودعت رجال الاعمال والمستثمرين الى التوجه الجدي نحو الاقتصاد الأخضر.
وأوضحت هيئة الاستثمار أن “الحكومة وقعت اتفاقاً مع الشركات العالمية لإنشاء محطات تنتج 7.5 كيكاواط عن طريق الطاقة الشمسية.” ودعت الشركات العالمية والمحلية إلى “استثمار مبادرة البنك المركزي لإنشاء محطات كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية”.
وأكدت رئيسة الهيئة سهى النجار أن “هيئة الاستثمار مستعدة لدعم جميع المشاريع الصديقة للبيئة، وأن العراق بيئة واعدة في هذا المجال، لكن بشرط أن تكون هذه المشاريع متطورة تكنولوجياً وقادرة على تحقيق الربح وحماية البيئة في ذات الوقت”.