علي كريم إذهيب
تعد المدن الذكية مستقبل التنمية الحضرية، التي تعتمد على التقنيات الحديثة، مثل إنترنت IoT، والذكاء الاصطناعي AI، والبيانات الضخمة Big Data لتحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة.
و في هذا السياق، أعلنت الهيئة الوطنية للاستثمار عن استعدادها لعقد المنتدى الأول للمدن الذكية منتصف الشهر المقبل، في إطار جهودها لتعزيز التكنولوجيا والابتكار ضمن مشاريع الإسكان الجديدة.
يأتي ذلك بالتزامن مع توجيهات وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة للمستثمرين بعدم رفع أسعار الوحدات السكنية مقابل إدخال التكنولوجيا الحديثة.
وأوضح رئيس الهيئة، حيدر مكية، أن الهيئة تسعى لجذب الشركات الاستثمارية المتخصصة بالتكنولوجيا الحديثة، بهدف إنشاء مدن ذكية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين واقع السكن في البلاد.
وأكد على أن المنتدى الذي سيعقد بالتنسيق مع اتحاد الغرف التجارية وغرفة التجارة الدولية ووزارة الإعمار والإسكان، يهدف إلى وضع آليات لتعميم تجربة المدن الذكية في المشاريع السكنية الجديدة وتسليط الضوء على أحدث التطبيقات العالمية في هذا المجال.
وأضاف مكية أن الهيئة أنشأت غرفة عمليات مصغرة لدراسة تكاليف إنشاء المدن الذكية بما يتناسب مع إمكانات المواطنين، مع التركيز على التحول الرقمي وعرض الفرص الاستثمارية المتاحة أمام رجال الأعمال.
تكنولوجيا حديثة
من جانبه، أشار رئيس هيئة المدن الجديدة في وزارة الإعمار والإسكان، حامد عبد حمد، إلى أن المدن الجديدة التي تنفذها الوزارة تتوافق مع معايير المدن الذكية والمستدامة، خاصة الكبيرة منها، حيث تعتمد على الطاقة النظيفة وتقدم خدمات متكاملة.
وأكد عبد حمد على أن الاتفاق مع المستثمرين يتضمن إدخال التكنولوجيا الحديثة في جميع مرافق المدن الذكية، مع ضمان عدم رفع أسعار الوحدات السكنية لتظل في متناول محدودي الدخل، مع الالتزام بتقديم أفضل المواصفات بالتعاون مع شركات متخصصة.
وعن بعض الفوائد الأساسية لإنشاء المدن الذكية يضيف حمد: إن إنشاء المدن الذكية هو خطوة حتمية نحو مستقبل أكثر تطورًا واستدامة. فهي ليست مجرد مدن متصلة بالتكنولوجيا، بل بيئات ذكية تُحسّن من حياة الأفراد، تدعم الاقتصاد، وتحافظ على البيئة. لذلك، فإن الاستثمار في المدن الذكية يعد استثمارًا في مستقبل أكثر استدامة وإنتاجية.
في هذه الأثناء يقول الخبير في الشأن الاقتصادي الدكتور علي دعدوش إن “المدن الذكية تسهم بشكل فعال في خفض كلف الإنتاج والبناء والطاقة من خلال تبني تقنيات متطورة وحلول مبتكرة تعمل على تحسين الكفاءة والاستدامة.” مضيفًا: “يمكن أن تكون لهذا الأثر فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية كبيرة، ما يجعل المدن الذكية خيارًا جذابًا للدول التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة.”
فوائد المدن الذكية
وفي حديث مع مجلة “الشبكة العراقية” قال دعدوش إن “فكرة المدن الذكية في العراق تمثل نقلة نوعية نحو مستقبل أكثر استدامة وكفاءة، لكن تطبيقها يواجه تحديات فريدة من نوعها.” ولتحليل أثر المدن الذكية في العراق، يجب النظر إلى الفوائد المحتملة من حيث:
1 – تحسين جودة الحياة، إذ إن أنظمة النقل الذكية يمكن أن تقلل الازدحام المروري، وتوفر الوقت والوقود، وتقلل من التلوث بالإضافة إلى تحسن كفاءة جمع النفايات وإعادة تدويرها، وتقلل من التلوث البيئي، كذلك تقلل من استهلاك الطاقة والمياه، وتوفر الموارد للبلاد.
2- تعزيز النمو الاقتصادي عن طريق جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتخلق فرص عمل جديدة ومن ثم تعمل على دعم الابتكار وريادة الأعمال، وتشجع على تطوير تقنيات جديدة، فضلاً عن ذلك فان المدن الذكية يمكنها أن تعزز السياحة، وتزيد من الإيرادات.
تحديات مستقبلية
لكن الخبير الاقتصادي يستطرد بحديثه عن وجود تحديات ستواجه تطبيق المدن الذكية في العراق تتمثل:
1 – تهالك البنية التحتية في العراق مثل (شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات) وهذه تمثل تحديًا كبيرًا لتطبيق المدن الذكية في البلاد .
2 – نقص التمويل اللازم لتطوير وتنفيذ مشاريع المدن الذكية.
3 – الوضع الأمني غير المستقر في بعض المناطق العراقية.
4 – الفساد الإداري والمالي.
5 – نقص المهارات والكفاءات اللازمة لتصميم وتنفيذ وإدارة المدن الذكية.
6 – قلة الوعي بأهمية المدن الذكية وفوائدها.
7 – غياب التخطيط الستراتيجي الشامل والمتكامل لتطوير المدن الذكية.
8 – مخاوف بشأن خصوصية البيانات وأمنها.
وينظر دعدوش أن أمام تلك التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق، فإن تبني مفاهيم المدن الذكية يمكن أن يقدم حلولًا مبتكرة لخفض الكلف في قطاعات الإنتاج والبناء والطاقة، ومع ذلك، يجب أن يكون هذا التبني مدروسًا ومناسبًا للظروف المحلية.
ويحدد المدير العام لمجموعة (أورينت بلانيت) د. نضال أبوزكي التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للمدن الذكية حيث قال إن “المدن الذكية قادرة على توفير العديد من الحلول المبتكرة للتحديات الحياتية التي تعاني منها مدن العالم كالتغير المناخي وتلوث البيئة وتفشي الأمراض ونقص الموارد الطبيعية وغيرها.”
وأوضح أبو زكي في حديث لـمجلة “الشبكة العراقية” أن “مواصفات المدن الذكية، التي تميّزها عن غيرها من المدن التقليدية، هي البنية الرقمية التكنولوجية التي تشكل الأساس الذي تبنى عليه المشاريع الرقمية المبتكرة، بالإضافة إلى كونها صديقة للبيئة، فهي تحمل شعار الاستدامة وحماية حاضر ومستقبل البيئة والإنسان، وتكمن الصفة الثالثة في أنها محفزة للإبداع والتعلم وتقوم على مبادئ الاستثمار في الإنسان وتوفير التعليم مدى الحياة. أما الصفة الأخيرة فهي الشعور بالسعادة والصحة، وهي إحدى أهم الغايات التي تسعى هذه المدن إلى توفيرها للمجتمعات الحديثة.”
ويستعرض المتحدث أبرز النماذج العالمية حول المدن الذكية وتجاربها في بناء المدن الذكية بما فيها نيويورك وباريس وفوجيساوا وسنغافورة وموسكو وهلسنكي وتورنتو، حيث استطاعت تلك المدن التحول بسلاسة إلى مدن ذكية، وتمكنت من جذب مستثمري القطاع الخاص لدعم هذا التحول.
التحول الذكي
ويحلّل أبو زكي (المدن الذكية) بأنها أهم نماذج المدن، لو تمت في المدن العربية مشيدًا بعزم العراق الإعلان خلال الشهر الحالي عن البدء بمشاريع المدن الذكية، التي سيتم استخدامها لتحقيق تحولها الذكي، فيما أشار إلى ضرورة الاستخدام الجوهري للإنسان العراقي في إنجاز عملية التحول الذكي، لكونه يشكل غايةً أساسية وراء هذا التحول ومنطلقاً جوهرياً لتحقيق ذلك. ويركز على أهمية الاستثمار في الإنسان وتعزيز مهاراته ليواكب عملية التحول الذكي.
ويختم أبو زكي حديثه بالتأكيد على ضرورة الاستثمار في العقول والمواهب، بالإضافة إلى استشراف سبع فئات رئيسة تنقسم وفقها الحلول الذكية التي ستحدد المدن في المستقبل وهي البنية التحتية، والنقل، وجودة الحياة، والمباني، والاستدامة البيئية، والمجتمعات الصحية الذكية والميتافيرس.
ويدعو الكاتب في الختام إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود وتعزيز التعاون الجماعي في العراق بين جميع الأطراف الفاعلة وسلاسل التوريد من أجل البدء في تطوير وبناء أماكن ذكية ومستدامة، وتوفير بيئة مستدامة للأجيال القادمة.