النفط قد يفجر بركان خلافات مؤجلة الحلول ذهل تعيد بغداد ضبط علاقتها بكردستان؟

 إيفان الخفاجي/

يواجه القطاع النفطي خصوصاً والطاقة إجمالا في العراق، تحديات خطيرة نتيجة تناقض الرؤى لدى القوى المشتركة في الحكومات المتعاقبة، التي تبدو في الظاهر كحكومات توافقات سياسية، في حين أنها -في جوهرها- مجموعة وزارات غير منسجمة فيما بينها لانعدام الرؤيتين الاقتصادية والستراتيجية اللتين تجمعها.تجسدت تلك التحديات في الصراع القائم بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراق بعد القرار الأخير للمحكمة الاتحادية بالدعوى 59/اتحادية /2012 وموحدتها 110/اتحادية / 2019 في 15/2/2022 المتضمن الحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 وإلغائه لمخالفته أحكام المواد (110 و111 و112 و115 و121 و130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
وإلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى، التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط منها، إلى الحكومة الاتحادية المتمثلة بوزارة النفط الاتحادية وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره. ولوزارة النفط الحق في متابعة بطلان التعاقدات النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الأطراف الخارجية، دولاً وشركات، بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره وبيعه، وإلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادي من مراجعةالعقود النفطية المبرمة كافة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه لغرض تدقيقها وتحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة حكومة إقليم كردستان من جرائها، وأن يكون تحديد حصة الإقليم من الموازنة العامة بالشكل الذي يضمن إيصال حقوق مواطني محافظات الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية وعدم تأخيرها وإشعار الحكومة الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادية.
الاقليم لايتراجع
حكومة الإقليم رفضت القرار بشكل قاطع، وأعلن رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني رفضه قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن النفط المُنتج في الإقليم، مشدداً على أن أربيل ستواصل العمل بقانون النفط والغاز الخاص بها.
يشار إلى أن الإقليم كان قد أقر في 2007 قانوناً خاصاً به أرسى التوجيهات التي يدير من خلالها الموارد النفطية والغازية.
البارزاني قال، في مؤتمر صحفي عقده بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية في 15 شباط الماضي: “إن قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم يعد انتهاكاً للدستور ولشعب كردستان.” وتابع، “طلبنا من الحكومة العراقية منحنا فرصة للحوار بشأن النفط والغاز، إلا أنه للأسف لم يتم منحنا هذه الفرصة، وجرى اتخاذ هذا القرار المنفرد المخالف لروح الدستور والمبادئ الأساسية للنظام الاتحادي.” وشدد على تمسكه “بالدفاع عن الحقوق الدستورية لشعب كردستان” التي “انتهكت وتُنتهك”، ورأى أن القرار يعد “انتهاكاً للدستور العراقي،” إذ اعتمد على قانون تابع للنظام السابق (حزب البعث) صدر عام 1976. وأكد مسرور البارزاني: “سنواصل العمل بقانون النفط والغاز في إقليم كردستان”.
ورغم تصريحات البارزاني التي رفضت قرار أعلى سلطة قضائية في العراق، إلا أن الحكومة الاتحادية لم تبد أي موقف من هذه التصريحات، ما جعل أوهام حكومة الإقليم تنتقل الى أحلام تسعى الى جعلها حقائق على الأرض، ولاسيما ما يتعلق منها بنفط كركوك الذي هيمنت عليه الأحزاب الكردية التقليدية بعد سقوط معظم محافظات غرب العراق بيد تنظيم داعش عام 2014 لغاية عام 2017 حين استعادت الحكومة الاتحادية سيطرتها على نفط كركوك بعد الاستفتاء الانفصالي غير القانوني الذي أجرته حكومة الإقليم في تشرين من ذلك العام.
الموقف الهزيل للحكومة الاتحادية شجع حكومة الإقليم على فرض سيطرتها مجدداً على حقول نفطية عدة في كركوك، إذ أعلنت شركة نفط الشمال، التابعة لوزارة النفط، “أن قوة مسلحة من إقليم كردستان سيطرت على بعض الآبار بالقوة.” وقالت الشركة، في بيان صدر السبت 14 أيار الجاري، إن “قوة مسلحة تابعة لحكومة الإقليم، يرافقها فريق عمل فني، قامت بالتجاوز على آبار (حقل باي حسن / داوود) بغرض استغلال الطاقات الإنتاجية لهذه الآبار لصالح حكومة الإقليم”.
وأضافت الشركة في البيان أن “شركتنا المملوكة لشركة النفط الوطنية العراقية تحمّل حكومة إقليم كردستان هذا السلوك المنافي للدستور والقوانين العراقية التي تحكم العلاقة بين الإقليم والمركز، والتي أناطت مسؤولية استغلال النفط والغاز، باعتباره ملكاً للشعب العراقي، الــى الحكومة الاتحادية متمثلة بشركات الاستخراج التابعة لشركة النفط الوطنية العراقية”.
حكومة الاقليم، كعادتها في المواقف المشابهة، أصدرت بياناً تنفي فيه سيطرتها على هذه الحقول، لكنها في ذات الوقت تحدثت عن “حقها” في السيطرة عليها، إذ نفى المتحدث باسم حكومة الإقليم جوتيار عادل، في بيان، “التقارير التي تتحدث عن استيلاء إقليم كردستان على حقلي نفط باي حسن وداود كوركي التابعين لشركة نفط الشمال في كركوك بدعم من قوات مسلحة”. لكنه أضاف أن “من الواضح أنه وفقاً للدستور العراقي، فإن الثروات العامة ملك لكل العراقيين وليست لأية شركة، إذ تعمل شركة نفط الشمال بدون قانون للنفط والغاز منذ سنوات عديدة، منتهكة الدستور، وإذا كانت شركة نفط الشمال معنية بحل المشاكل فليُشرّع قانون النفط والغاز بما يتوافق مع الدستور.” وهي إشارة اعتبرها متابعون أنها اعتراف ضمني من حكومة الإقليم بسيطرتها على الحقول المؤشرة، مع احتمال سيطرتها على حقول أخرى في كركوك في المقبل من الأيام.
الحكومة، كما في كل الأحداث المتشابهة، لاذت بالصمت، لكن بياناً لعضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في مجلس النواب علاء صباح الحيدري أكد فيه: “عزم مجلس النواب مناقشة سيطرة قوات مسلحة كردية على حقول نفطية مهمة في محافظة كركوك.”
وقال البيان إن اللجنة ومجلس النواب سـ “يناقشان” ما حصل من سيطرة للقوات الكردية على حقول نفطية مهمة في كركوك. وأضاف أن “الإقليم يسعى دائماً إلى ضم كركوك الى الأراضي التابعة له إدارياً بسبب وجود النفط،” مشيراً إلى أن “الإقليم لم يكتف بعمليات التهريب التي وصلت إلى (مليون برميل يومياً) تستقطع من حصة العراق في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).”
وأوضح الحيدري أن “الإقليم يراوغ من أجل ضرب قرار المحكمة الاتحادية عرض الحائط، برغم تأكيدات وزير النفط -لأكثر من مرة- على ضرورة تطبيقها.” مؤكداً أن “اللجنة ترفض بشكل كامل ما يحصل من استيلاء على الآبار النفطية في كركوك، على اعتبار أن نفط العراق ملك لجميع أبناء الشعب وليس لمكون أو محافظة معينة.”
وأكد الحيدري “إصرار غالبية أعضاء مجلس النواب على إقرار قانون النفط والغاز خلال الدورة الحالية بعد تعطيله لأكثر من 12 عاماً للحد من التجاوزات على السياسة النفطية.”
أنابيب وتهريب.. والمهزلة مستمرة
مبيعات النفط الخام في الإقليم تنقسم الى قسمين: الأول هو البيع بواسطة مئات، وأحياناً آلاف، الحوضيات المحملة بالنفط يومياً إلى تركيا وإيران، وتصف الحكومة الاتحادية هذه الممارسة بالتهريب لأنها خارج نطاق سيطرتها إدارياً وتجارياً. وبالتالي فإن النفط الذي يُباع محلياً أو يُصَدَر خارج البلاد دون علم وزارة النفط الاتحادية يُصَنَف كنفط مهرب، علماً بأن كل العمليات النفطية في إقليم كردستان هي خارج سيطرة الحكومة الاتحادية، لذا فإن الافتقار إلى أية أدلة ثبوتية ستعيق الحكومة الاتحادية من ملاحقة المهربين. أما القسم الثاني فهو التصدير عبر الأنابيب إلى الأراضي التركية، وهذه العملية توفر الأرضية والسند ‎القانوني الذي يمكّن الحكومة الاتحادية من التحرك تجاه الشركات المستوردة لهذا النفط، ويمكّنها أيضاً من مقاضاة الحكومة التركية بموجب قوانين العلاقات الدولية والتجارية بين العراق وتركيا والاتفاقيات النافذة بين البلدين التي تشترط حفظ الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والالتزام بالقوانين المركزية لكلتا الدولتين.
قانون المحكمة الاتحادية الأخير، القاضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، يحاول عبر مخرجاته أن يوقف “المهزلة” ويعيد النصاب الى حق الشعب العراقي بثرواته، بغض النظر عن الانتماءات الفرعية أو التقسيمات الإدارية، إذ يمثل القرار نقطة تحوّل لتصحيح سياقات خاطئة استمرَّت بضعة أعوام ورسمت مسارات متعرجة وملتبسة في العلاقة بين المركز والاقليم.
قرار ملزم
ولتعزيز الزخم الدستوري في مخرجات القرار، وبعيداً عن المصالح الحزبية التي تتحكم بالقرارات المماثلة، يقول رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود، إنَّ “القرار يلزم وزارة النفط الاتحادية باستخدام صلاحيتها الدستورية بشأن استكشاف النفط وإنتاجه وتصديره، وبطلان التعاقدات التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الأطراف الخارجية (دولاً وشركات). وكذلك ألزم القرار حكومة الإقليم بتمكين وزارة النفط الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي من مراجعة كل العقود النفطية المبرمة بخصوص تصدير النفط الخام والغاز لغرض تدقيقها، بما يتيح للجهات المشار إليها تحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة الحكومة المحلية في أربيل، وتحديد حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية السنوية”.
في ذات السياق، يقول الخبير القانوني والدستوري ميثم حنظل، إن “شركة النفط العراقية هي المسؤولة عن تصدير النفط إلى خارج البلاد، ولهذا جاء قرار المحكمة الدستورية بإلزام حكومة إقليم كردستان بتسليم حقول النفط، وأن يكون للحكومة الاتحادية حق الاطلاع على العقود السابقة،” مؤكداً أن هذا الحكم “دستوري وقطعي” ولا جدال فيه.
ويوضح حنظل أن “قضية النفط في إقليم كردستان كانت محل نظر لدى المحكمة الاتحادية منذ عام 2012، ولا علاقة لها بأزمة تشكيل الحكومة الجديدة،” مضيفاً أن “المحكمة تراعي -في كثير من الأحيان- الجوانب السياسية، وهي بالنهاية تستند إلى الدستور العراقي”.
أما الخبير القانوني علي التميمي، فيؤكد أن قرار المحكمة الاتحادية العليا “يجعل من قانون النفط والغاز في إقليم كردستان ملغياً، لمخالفته النصوص الدستورية تبعا للمواد: 110 و111 و112 و115 و122 و130 من الدستور العراقي”. ويشدد على أن “القرار ملزم، ولا يمكن الذهاب للطعن به في المحاكم الدولية، فهذا القرار يتعلق بسيادة الدولة العراقية حصريا”.
ويضيف التميمي أن القانون “يفرض على حكومة الإقليم تسليم واردات النفط بأثر رجعي من تاريخ إبرام العقود، والسماح لوزارة النفط وديوان الرقابة المالية بالاطلاع على هذه العقود، وفي حالة الأحجام سيتم استقطاع هذه الأموال من نسبة الـ 17 في المئة المخصصة للإقليم”.
ويوضح الخبير القانوني أن “العراق بلد فيدرالي وليس كونفيدرالياً، ولشركة تسويق النفط العراقية (سومو) الاختصاص الحصري في تصدير النفط”.
السؤال الأهم بعد هذا الجدل والأخذ والرد حول قرار المحكمة الاتحادية: هل سيكون القرار نقطة شروع في بناء مؤسسات واضحة المساحات من حيث الحقوق والواجبات ويفك الاشتباكات المقصودة، ولاسيما في المواد الدستورية؟ أم أنه سيؤدي الى المزيد من الفوضى في حال لم تلتزم حكومة الإقليم بتنفيذ القرار الصادر من أعلى هيئة قضائية في البلاد؟