بغداد :مصطفى الهاشمي /
شهد سوق العقارات تذبذباً في حركة البيع والشراء في عموم مدن العراق، بعد أن قرر البنك المركزي تخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات، محدداً القيمة الجديدة بـ 100 مليون دينار، بعد أن كانت 500 مليون دينار.
على الرغم من وجود فجوة كبيرة بين الخدمات والأسعار الحقيقية للعقارات. يطالب مختصون بوضع دراسة جدية من وزارة العدل ـ دائرة التسجيل العقاري، ووزارة المالية، متمثلة بالهيئة العامة للضرائب، لوضع حد للارتفاعات الجنونية في أسعار العقارات، التي تجاوزت حدود المعقول، لاسيما في العاصمة بغداد.
البنية التحتية
يقول المختص بالشأن الاقتصادي علي حسين الخفاجي، في حديث لمجلة “الشبكة العراقية”: إن “المصارف ليست مؤهلة بالكامل لتنفيذ مثل هذه الإجراءات، حسب اعتقادي، فالقرار يحتاج إلى تعزيز البنية التحتية للمصارف وتطوير أنظمة إلكترونية لتسجيل العقارات، ما يسهل الإجراءات ويقلل من البيروقراطية، فضلاً عن توعية المواطنين بأهمية القرار وكيفية التعامل مع الإجراءات الجديدة لضمان نجاح تنفيذه.”
يضيف الخفاجي: “فيما يخص تناسب الخدمات (البنية التحتية) مع أسعار العقارات، فهناك فجوة كبيرة بينها، إذ تصل أسعار العقارات في بعض المناطق الى أكثر من عشرة آلاف دولار للمتر المربع الواحد، في حين أنها أول المناطق التي تشهد تأثراً بالأمطار.”
واقترح الخفاجي “زيادة تشجيع السكن في أطراف العاصمة من خلال تبني مجمعات سكنية ميسرة تديرها الدولة، وتخصيص أراض للموظفين ودعم بنائها، لكونها السبيل الأفضل لتقليل أسعار عقارات العاصمة، فضلاً عن تحويل بعض مراكز ومؤسسات الدولة إلى الأطراف لتلافي الزخم على الرغبة في السكن بتلك المناطق.”
تأثيرات مزدوجة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي سفيان صالح خلف، أن القرار الجديد للمركزي، ستكون له تأثيرات متعددة في سوق العقارات المحلية، الذي يشهد ارتفاعات حادة جداً منذ سنوات وعقود، تلك التأثيرات لا بد أن تكون على جانبين، إيجابي وآخر سلبي.
ويوضح خلف في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” أن “الجوانب الإيجابية لقرار المركزي يمكن تلخيصها بـ 3 تأثيرات تتمثل بـ:
أولاً: زيادة الطلب على العقارات، إذ إن تخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات سيجعلها أكثر سهولة للشراء، ما سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها. ثانياً: سيسهم ذلك في تنشيط السوق العقاري، إذ سيتم بيع المزيد من العقارات، ما سيؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، والتأثير. والثالث هو توفير فرص استثمارية جديدة للمستثمرين والمطورين العقاريين، في هذا المجال.”
وبشأن التأثيرات السلبية يقول خلف: “يمكن تحديدها بـ زيادة التضخم، الحاصل نتيجة زيادة الطلب على العقارات، ما قد يؤدي إلى زيادة الأسعار، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب زيادة الديون، حيث سيتم شراء العقارات بالتقسيط، فضلاً عن زيادة المخاطر في حال شراء العقارات بأسعار منخفضة، ما قد يؤدي إلى خسائر مالية.”
داعياً الحكومة والبنك المركزي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق التوازن بين التأثيرات الإيجابية والسلبية، مع ضرورة بناء أو إطلاق دراسة جادة بين دائرة التسجيل العقاري والهيئة العامة للضرائب لوضع حد للانفلات غير المسبوق بأسعار العقارات في عموم العراق.
سوق العقارات
عن تأثير قرار البنك المركزي على سوق العقارات المحلية بصورة عامة، يقول التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد / جامعة بغداد، حسين قصي، في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية”: “أصدر البنك المركزي، في كانون الثاني 2025 قرارًا يقضي بتخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات، التي يجب أن تتم عبر المصارف، من 500 إلى 100 مليون دينار، بهدف مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال زيادة الرقابة على التعاملات العقارية، إذ يتوقع خبراء أن يؤدي هذا القرار إلى انخفاض الطلب على العقارات ما قد يؤثر سلبًا على القطاع العقاري.”
يضيف قصي بخصوص تأثير القرار على أسعار العقارات: “أعتقد أن القرار قد يؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات، حيث سيحد من قدرة الأفراد على شراء العقارات نقدًا، ما سيقلل من عمليات غسل الأموال التي كانت تسهم في رفع الأسعار، ومع ذلك، تظهر مخاوف من أن يؤدي القرار إلى ركود في السوق العقاري بسبب زيادة الإجراءات البيروقراطية وتقييد السيولة.”
فجوة الأسعار
وتشهد بغداد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار العقارات، حتى وصل سعر المتر في بعض المناطق إلى 8 آلاف دولار أو أكثر، هذا الارتفاع لا يتناسب مع مستوى البنية التحتية والخدمات المقدمة في تلك المناطق، ما يشير إلى وجود فجوة بين الأسعار والقيمة الحقيقية للعقارات.
حول ذلك، يرى قصي أن “أفضل السبل للحد من ارتفاع أسعار العقارات في مراكز المدن، خاصة بغداد، تتمثل بمكافحة غسل الأموال، وتعزيز الرقابة على التعاملات المالية في سوق العقارات للحد من تدفق الأموال غير المشروعة التي تسهم في رفع الأسعار، إلى جانب تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات والمرافق في المناطق الحضرية لجعل الأسعار تتناسب مع القيمة الحقيقية للعقارات.”
ويتابع “لعل أهم الخطوات تكمن في تحديث القوانين والتشريعات ومراجعة وتحديث قوانين الضرائب العقارية والتخطيط العمراني لضمان تنظيم أفضل للسوق العقاري، مع الدعوة إلى تشجيع الاستثمار في الإسكان الميسر، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتشجيعه ودعمه في بناء وحدات سكنية بأسعار معقولة لتلبية احتياجات مختلف شرائح المجتمع، مع ضرورة إنشاء قاعدة بيانات مركزية للعقارات تسجل جميع المعاملات وتتيح للجمهور الوصول إلى المعلومات لضمان الشفافية والحد من التلاعب بالأسعار”.
يؤكد قصي أنه “من خلال تنفيذ هذه الستراتيجيات، يمكن تحقيق استقرار أكبر في سوق العقارات والحد من الارتفاع غير المبرر في الأسعار.”
السماسرة العقاريون
يقول (الدلال) حاتم عدي التميمي لمجلة “الشبكة العراقية” إن “موقف سماسرة العقارات من القرار سيكون متبايناً بين السلب والإيجاب، فالجانب الإيجابي على الدلالين يتجسد بزيادة الطلب على الوحدات السكنية المختلفة، إذ إن تخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات يجعلها أكثر سهولة للشراء، ما سيزيد الطلب، وبالتالي زيادة فرص العمل للدلالين، التي تؤدي إلى تنامي إيراداتهم، إلى جانب توسيع نطاق العمل لسماسرة العقارات، حيث سيتمكنون من التعامل مع عقارات بأحجام أصغر.”
ويشير التميمي إلى أنه “في الوقت نفسه ستكون هناك تداعيات سلبية على السماسرة والدلالين، منها تقليل الأرباح من الصفقات، وزيادة المنافسة بين سماسرة العقارات، من خلال ولوج المزيد من الأشخاص (الطارئين) إلى السوق، فضلاً عن تغيرات في نموذج العمل، حيث سيتمكنون من التعامل مع عقارات أصغر حجماً.”
محدودو الدخل
من جهته، شخّص الباحث الاقتصادي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور علي محمود تداعيات القرار الجديد للبنك المركزي العراقي بتخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات على المواطن الفقير، أو محدودي الدخل، تأثيرات سلبية وأخرى إيجابية.
ويوضح محمود في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” التأثيرات الإيجابية بأنها “تتمثل بزيادة فرص الحصول على مساكن، ما سوف يسهل شراءها، مع فرص الحصول على مساكن للمواطنين الفقراء أو محدودي الدخل، وكذلك تقليل التكاليف على هذه الشريحة، إذ سيتمكنون من الحصول على مسكن بأقل تكلفة، وبالتالي ستكون هناك زيادة بفرص الاستثمار للمواطنين الفقراء أو محدودي الدخل، ما يمكنهم من الاستثمار في العقارات بأقل تكلفة.”
ويبين محمود التأثيرات السلبية للقرار على الفقراء أو محدودي الدخل بأنها “تتمثل بزيادة التضخم نتيجة زيادة الطلب على العقارات، ما يقود إلى زيادة الأسعار على السلع والخدمات الأخرى، فضلاً عن زيادة الديون على المواطنين الفقراء أو محدودي الدخل، حيث سيتمكنون من الحصول على قروض بأقل تكلفة، ولكنهم قد يتعرضون لخسائر مالية إذا لم يتمكنوا من سداد تلك القروض.”