مصطفى الهاشمي/
يحتوي القطاع المصرفي العراقي على 81 مصرفاً، منها 7 حكومية تتمثل بـ (الرافدين والرشيد، والمصرف العراقي للتجارة، والمصرف الصناعي والزراعي والعقاري، فضلاً عن مصرف النهرين الإسلامي)، إلى جانب 74 مصرفاً من المصارف الخاصة (الأهلية)، التي برغم كثرتها إلا أنها لم تخدم اقتصاد البلد، كما لم تقدم فائدة للمواطن سوى الفائدة العالية على قروضها التي يحصل عليها المواطنون بعد معاناة وانتظار يطولان حسب نشاط إدارة المصارف الخاصة.يقول الخبير الاقتصادي الدكتور (أحمد الحسيني): “في العراق، وبعد 2003، سنَّ قانون البنك المركزي وقانون المصارف، وشهد قطاع المصارف الخاصة نمواً غير مسبوق في عديدها الذي ناهز الـ 74 مؤسسة مصرفية أهلية، الى جانب سبعة مصارف حكومية متنوعة الاختصاصات.”
خريطة الانتشار المصرفي
أضاف الحسيني لـ “مجلة الشبكة” أن “الجهاز المصرفي العراقي أسهم بنحو واحد وتسعة بالعشرة في المئة فقط بتكوين الناتج المحلي الإجمالي الوطني، حسب التقارير الصادرة للعام 2021، وتزيد هذه النسبة أو تنقص في العام 2022.” وبيّن أن “هذه المصارف تمتلك أكثر من 904 فروع منتشرة في العراق، لكن التركز المصرفي، حسب تقارير البنك المركزي وتقارير أخرى صادرة عن منظمات دولية مهتمة بهذا الشأن، أوضحت أن هذه الفروع يكون انتشارها فقط في المدن التجارية والاقتصادية، أي بغداد والبصرة والموصل، ففي بغداد لوحدها يشكل الانتشار المصرفي ما يناهز الـ 37% تقريباً.”
حصة المصارف من الجمهور
وأكد الحسيني أن “من المفروض، حسب المعيار الدولي، أن يخصص لكل 100,000 نسمة مصرف واحد، لكن في العراق توجد كثافة مصرفية، إذ نجد أن لكل 100,000 نسمة من البالغين حصة تبلغ تقريباً أكثر من 5 مصارف، ما يوضح حجم التضخم في العدد لتغطية الكثافة السكانية.”
واستطرد: “بالتالي إذا كانت المصارف بهذا الكم الهائل، الذي يغطي أكثر من العدد المطلوب من السكان، فيفترض أن تكون الخدمات المقدمة من تلك المصارف لزبائنها على أعلى مستوى، ولاسيما إذا ما قارناها بدول الجوار، ففي تركيا مثلاً، كانت نسبة الانتشار المصرفي تعادل 16% تقريباً، وفي إيران 31%، وفي الكويت نحو 13%، وفي بغداد لوحدها تبلغ نسبة الانتشار المصرفي 37%، وإذا ما قورنت النسبة مع الخدمات المقدمة للزبائن فهي دون المستوى.”
الخدمات وأسعار الفائدة
كما لفت الحسيني إلى أنه “إذا أردنا ربط أسعار الفوائد التي تفرض على القروض المختلفة، كالقروض الإسكانية وتلك المتعلقة بالاستثمار، والأخرى المتعلقة بتشغيل المشاريع المتوسطة والصغيرة، فتعتبر تكاليفها باهظة جداً على الزبائن، وبالتالي إن دل هذا على شيء فإنما يدل على فوضى في الرقابة على هذه المصارف، وضعف سيطرة البنك المركزي على تنظيم العمل الصيرفي في العراق، ولاسيما مع نمو العدد الكبير لهذه المصارف.”
ودعا الخبير الاقتصادي البنك المركزي إلى إعادة النظر ببعض التشريعات التي تسيطر على هذه المصارف وتضبط إيقاعها لتجعلها متلائمة ومتوائمة مع عملية التنمية الاقتصادية المستدامة المنشودة، ولاسيما أن العراق يسعى الآن إلى تطبيق مفردات التنمية المستدامة، أو ما يسمى بعراق 2030 التي بحاجة إلى إعادة هيكلة وإعادة ضبط إيقاع الجهاز المصرفي بما يتلاءم مع الخدمات التي تقدمها هذه المصارف للزبائن، لتكون أكثر فاعلية في التنمية والنمو الاقتصادي.”
الدور التنموي للمصارف
وعما إذا حققت المصارف دوراً اقتصادياً وتنموياً في العراق، قال الحسيني: “إن دورها دون المستوى، فعندما تكون نسبة مساهمة 74 مؤسسة مصرفية في العراق أقل من 2% (تقريبا 1.9% )، في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، فإنها تعد نسبة خجولة جداً قياساً بعددها وقياساً برؤوس أموالها، وقياساً بالودائع، وعندما نأخذ الودائع لقياس نسبة السيولة المصرفية، أو نسبة السيولة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فهي مرتفعة، وقد تصل إلى 300 أو 400 بالمئة في بعض المصارف، وهذا يدل على وجود عدم موثوقية من قبل المصرف بالوضع العام الاقتصادي الكلي، وهذا هو الواقع في بعض المصارف.”
وأشار إلى أن “البنك المركزي يستخدم أدوات تعيد بناء جسور الثقة بينه وبين المصارف من جهة، وما بين الجهاز المصرفي والمواطن أو الزبون من جهة أخرى، حتى تسهم المصارف في بناء اقتصاد سليم وبنسبة أكبر في تكوين الناتج المحلي الإجمالي.”
المركزي والإصلاح المصرفي
وبخصوص عملية الإصلاح في القطاع المصرفي، أكد الحسيني أن “هناك محاولات حقيقية جديرة بالاحترام، كمبادرات البنك المركزي لإصلاح بعض الهفوات التي تعتري عمل الجهاز المصرفي، ولاسيما فيما يتعلق بمنح القروض الميسرة، ومنها مبادرة الـ5 تريليونات دينار، كونها مبادرة جاءت لدعم الشرائح الفقيرة أو المتضررة (قرض الـ 10 ملايين دينار) من قبل البنك المركزي، فهذه تشجع وتدعم حركة النشاط الاقتصادي، لكنها في الوقت نفسه لا تزال دون المستوى وخجولة جداً قياساً بعدد المؤسسات المصرفية العاملة في العراق.”
وبالتالي فإن عملية الاصلاح المصرفي تحتاج إلى رؤية أشمل يضعها متخصصون وهيئات استشارية متخصصة بالستراتيجيات، وتكون سيناريوهاتها باتجاهين، الأول متوسط المدى (5 إلى 10 سنوات)، لإعادة الثقة بين المصارف والجمهور، والثاني بوضع ستراتيجية بعيدة الأمد لإصلاح النظام المصرفي بما يتلاءم مع برنامج العراق أو الخطة الوطنية للتنمية الاقتصادية 2030، وهذه تمثل مجمل الرؤية المقدمة إلى البنك المركزي بغية النهوض بواقع القطاع المصرفي.”