زياد الهاشمي
يترقب الاقتصاد العراقي بشكل عام، والنظام المصرفي بشكل خاص، حدوث انتقالة نوعية ومنعطف جديد لأول مرة منذ 2003، يتمثل بوقف كامل لنافذة بيع العملة، أو منصة تحويل الدولار التقليدية، والانتقال بشكل نهائي إلى نظام حوالات يجري عبر شبكة البنوك المراسلة.
هو نظام حوالات بدأ العمل به مع نهاية عام 2023 بتوصية خاصة من الفيدرالي الأميركي، يجري فيه إرسال الحوالات من خلال مصارف محلية عراقية تكون لديها علاقات تعاقدية مع شبكة بنوك مراسلة خارجية (مثل سيتي بنك وجي بي مورغن وبنك أوف أميركا)، تعمل كمراسل أو وكيل وسيط لحوالات الدولار لتلك المصارف العراقية، وتقوم بتدقيق وفلترة الحوالات واختيار اللائق والممتثل منها مع معايير التحويل الخارجي لغرض تحويلها إلى بنك المستفيد النهائي.
فوائد ملموسة وتحديات محتملة
كما هو واضح، فإن هذا النظام الجديد للحوالات يمتاز بالكثير من المراحل التدقيقية التي يمكن أن تسهم فعلياً في التخلص من العمليات الاحتيالية وتمنع الجهات غير النظامية من الوصول إلى الدولار لتمويل النشاطات المشبوهة وغير القانونية، التي جلبت الكثير من العقوبات وسوء السمعة للنظام المصرفي والاقتصادي العراقي. كما يسهم هذا النظام في منع المصارف التي لا تمتلك درجة امتثال عال، ونظام عمل مصرفياً متطوراً وتصنيفاً ائتمانياً عالياً، وسلسلة علاقات مع بنوك مراسلة رصينة، من المشاركة في عمليات التحويل الخارجي. هذه الإجراءات تصب كلها في مصلحة حماية الدولار العراقي من التسرب والضياع، وحماية الاقتصاد من النشاطات غير القانونية ودعم استقرار الاقتصاد الوطني، ودفع عجلة التطوير والعصرنة داخل النظام المصرفي العراقي.
تحديات محتملة
بالرغم من كل هذه الإيجابيات، التي بدأنا نلمس آثارها خلال الفترة الماضية، إلا أن هناك بعض التحديات المحتملة التي يمكن أن تواجه الاقتصاد العراقي حالما يجري إيقاف المنصة بشكل كامل نهاية هذا العام والإبقاء فقط على خيار التحويل من خلال نظام البنوك المراسلة، والسبب هو استمرار استخدام المنصة بشكل كبير، على الرغم من قرب موعد وقف العمل فيها، إذ تشير بعض التقارير المالية الصادرة مؤخراً إلى أن حوالات المنصة تشكل ما يقارب 22% من مجمل الحوالات الشهرية، التي لم يتمكن أصحابها حتى الآن من تكييفها ونقلها إلى نظام الحوالات الجديد، لأسباب قد تتعلق بنوع البضاعة المستوردة، أو عدم تلبية اشتراطات البنوك المراسلة، أو محدودية قدرة المصارف العراقية العاملة بالنظام الجديد على استيعاب جميع عملاء المنصة.
هذه النسبة الكبيرة من الحوالات، التي لم تنتقل بعد إلى نظام الحوالات الجديد، يمكن أن تتسبب بعدة إشكالات بعد وقف المنصة، منها مثلاً قيام بعض أصحاب الحوالات بالبحث عن حوالات بديلة، لكنها غير نظامية عبر السوق الموازية، وإحداث ضغط على أسعار صرف الدولار في الأسواق، كما قد يضطر بعض آخر من التجار إلى وقف استيراداتهم بسبب عدم قدرتهم على تلبية متطلبات التحويل الجديدة، ما سيؤدي الى انخفاض واردات بعض السلع وشحتها في الأسواق وارتفاع أسعارها على المواطنين.
من جانب آخر، فإن عدد المصارف العراقية التي لديها اتفاقات مع بنوك مراسلة خارجية رصينة لها القدرة على إنجاز الحوالات الدولارية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهذه إشكالية أخرى قد تتسبب بعنق زجاجة مالي واضح، نتيجة محدودية قدرات تلك المصارف على تلبية كامل متطلبات التحويل الخارجي العراقي، ما قد يؤدي إلى تعطيل أو تعثر الكثير من الحوالات الخارجية، بالتالي انخفاض كتلة الدينار التي يمكن توفيرها لتمويل مالية الحكومة.
حلول ومعالجات مقترحة
على الرغم من كل هذه التحديات، فإن الفرصة لاتزال مواتية أمام البنك المركزي للمبادرة والتحرك على أكثر من مسار، والعمل أولاً عن قرب مع المصارف التي تقوم حالياً بحوالات البنوك المراسلة، لتذليل العقبات أمام استيعاب أكبر قدر ممكن من حوالات المنصة، ومن ثم تطبيق ترتيبات خاصة تساعد التجار في تكييف حوالاتهم بسرعة وبشكل فعال مع النظام الجديد، إضافة إلى مساعدة المصارف العراقية الأخرى على تحسين عملياتها وتلبية متطلبات الوصول إلى تفاهمات مع بنوك مراسلة دولية، بهدف زيادة عدد المصارف القادرة على إتمام حوالات الدولار المباشرة لزيادة انسيابية وحجم الحوالات الخارجية.
ومن المهم كذلك تشجيع المصارف الأخرى التي تنشط في التحويل الخارجي غير الدولاري على توسيع نطاق عملياتها لاستيعاب المزيد من تلك الحوالات، وفي حالة استمرار تأثر الاقتصاد العراقي سلباً بعملية وقف المنصة، فيمكن العودة مرة أخرى للتفاوض مع الفيدرالي الأميركي لغرض تمديد عمل منصة التحويل لفترة زمنية مناسبة، حتى تتمكن المنظومة المصرفية والتجارية العراقية من تصفير ما تبقى من حوالات المنصة، ويمكن خلال هذه المفاوضات تقديم خطة عمل خاصة بفترة التمديد، تستهدف الانتقال الكامل إلى نظام حوالات البنوك المراسلة، وتحقيق قفزة نوعية في جودة الخدمات وسلامة التعاملات ونظافة الحوالات، وهذا سوف يسهم في نهاية المطاف بتحسين سمعة العراق الاقتصادية عالمياً وتعزيز تصنيف نظامه المصرفي ائتمانياً، وتمهيد الطريق لمزيد من الاستثمارات والنمو الاقتصادي المستدام.