#خليك_بالبيت
آية منصور /
الإنسانية، هذه الكلمة الفضفاضة التي تحلِّق فوق رؤوسنا مثل منطاد ساحر، يحاول كل منا أن ينال شيئاً منها. لكن هنالك من يصنعها من أصالة شعوره، ثم يفلتها إلى الفضاء، تاركاً إياها محلِّقة وماطرة بالهبات علينا، دون أن يهمس في أذن من يقف إلى جانبه قائلاً: “هذه صنيعتي.”
وهكذا، وبكل هذا الزهد الأسطوري يتحدث عريس واسط وفارس الإنسانية حيدر زعيبل، بعد محاولات عديدة للتواصل معه، عن مبادراته الأولى في بداية أزمة كورونا.
البداية مع السلّات الغذائية
يؤكد حيدر زعبيل، وهو أحد أعضاء مبادرة دعم العوائل المتعففة في محافظة واسط قضاء الحي، أنه في بداية تفشي جائحة كورونا بادر مع أخيه وصديقه، فضلاً عن عدد من الأعضاء في حملات لجمع سلّات غذائية للعائلات المتعففة، وقد تمكنوا من توزيع أكثر من ٢٥ ألف سلّة غذائية، في مبادرة خاصة شارك فيها أهل قضاء الحي في المحافظة إلى جانب المبالغ التي تبرعوا بها من حسابهم الشخصي.. يقول حيدر:
– لم يقصر أي فرد من قضاء الحي بإرسال تبرعاتهم، ولاسيما التجار وأصحاب المحال التجارية، حتى أبسط مواطن، إذ عملنا على وفق خطة ودراسة ميدانية شاملة للقضاء، من أجل معرفة عدد الأشخاص المحتاجين، فقدمنا لهم وجبات غذائية على نحو مستمر.
أموال الزواج لقناني الأوكسجين
وبعد أن تأزم الوضع الصحي في المحافظة خرج مدير مستشفى واسط مناشداً الأهالي، موضحاً النقص الحاد في المستلزمات الطبية ومنظومات الأوكسجين بعد تفشي فايروس كورونا في المحافظة، وأكد حينها أن المستشفى يعاني من عجز شبه تام في المواد الطبية التي من شأنها الحفاظ على حياة الناس. فانطلق حيدر زعيبل، وبصفة شخصية، إلى مناشدة أعضاء مجلس النواب العراقي المسؤولين عن المحافظة، فلم يستجب أحد سوى نائب واحد فقط من أهالي قضاء الحي، لكنه لم ييأس، وناشد -حسب قوله- مكتب رئيس الوزراء والسيد وزير التخطيط خالد البتال ووزيرة التربية أيضاً ومرة أخرى لم يجد أي رد، ..يضيف زعيبل:
– أقول وكلي ثقة لو أني رجعت وناشدت أهالي قضاء الحي مرة أخرى في ذلك لما تأخروا ثانية واحدة عن تقديم يد العون والمساعدة، واضطرني الموقف إلى أن أتخذ قراراً سريعاً مع نفسي وبدون الرجوع إلى أحد، جمعت ما عندي من مال كنت قد ادخرته ليوم زفافي، وأجّلتُ الزواج على وجه السرعة واشتريت بكل ما عندي ٣٦ جهاز أوكسجين تبرعت بها إلى المستشفى، ثم أخطرني المستشفى أنهم بحاجة ماسة إلى المزيد، فأرسلت إلى محافظة أربيل واستطعت أن أشتري ٢٥ جهازاً أخرى، وما زلت أنتظر وجبة أخرى ستصلني قريباً.
ردة فعل زوجة المستقبل
يضيف حيدر متبسماً أن خطيبته لم تكن تعرف بالأمر، ولكنها فوجئت بالأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي فاتصلت به وطلبت أن تتبرع بمهرها وهو ٢ مليون دينار عراقي للمشاركة في شراء باقي الأجهزة، لكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً وأخبرها أنه ما يزال يملك شيئاً من المال لشراء الباقي، ويضيف:
– عندما علم أهل قضاء الحي بعد ذلك بهذه الأخبار حاولوا بكل ما لديهم من أجل المشاركة والتبرع للمرضى، وانهالت الاتصالات عليّ من كل حدب وصوب، وبدأنا بجمع التبرعات. هذه الأمور جعلتني أشعر بأن التكاتف المجتمعي في العراق ما يزال بخير، وأن كل حالة عوز أو نقص في أي بيت أو مستشفى عراقي هي مسؤولية حكومية قبل أن تكون مجتمعية، ومع ذلك يحاول المجتمع اليوم شدّ التكاتف بين أبنائه لحل الأزمة وإنقاذ الموقف.
نعيش ونموت معاً
وينهي زعيبل، وهو مدرس لغة انكليزية، وعضو نقابة المعلمين، وحاصل على الماجستير في اللغة الإنكليزية، أنه في آخر المطاف شاب عراقي كل أمنياته في هذه الحياة هي أن يعيش بسلام في وطن يرفل بالخير:
– لا طائل من زواجي السريع ما دام جاري يموت جوعاً، نعيش معاً أو نموت معاً، وهذا ما علمتني إياه أمي: أن أصرف ما في الجيب من أجل الآخر، وسيأتي -بلا شك- ما في الغيب من أجل الآخرة على أقل تقدير.
النسخة الألكترونية من العدد 362
“أون لآين -5-”