عباس عبد الرحمن
يتمتع العراق بمقومات استثمارية واعدة بفضل ثرواته الطبيعية وموقعه الجغرافي الستراتيجي وقاعدته السكانية الكبيرة، لكنه يواجه تحديات تتعلق بالصورة الذهنية السلبية التي يتم الترويج لها من قبل بعض الجهات المتضررة من صعوده الاقتصادي.
في هذا المقالة، نحاول أن نقدم خريطة طريق شاملة تعزز من جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) وتواجه حملات التشويه الإعلامي من خلال ستراتيجيات واضحة تعتمد على الترويج الفعّال، والإصلاحات الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال.
قانون الاستثمار
محورنا الأول سيكون عن (تحليل قانون الاستثمار العراقي وإبراز مزاياه التنافسية والإيجابية)، حيث يُعد قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 أحد القوانين الحديثة في المنطقة، ويتميز بعدة مزايا تجعله منافسًا للقوانين المماثلة في الدول الإقليمية منها، إعفاءات ضريبية وجمركية، إذ يمنح القانون إعفاءً من الضرائب والرسوم الجمركية لفترة تصل إلى 10 سنوات، وتُمدد في بعض القطاعات الحيوية مثل الصناعة والزراعة. حرية تحويل الأرباح ورؤوس الأموال، ما يسمح للمستثمرين الأجانب بتحويل الأرباح ورأس المال خارج العراق دون قيود صارمة، وبما يعزز ثقة المستثمرين ويجعل البيئة الاستثمارية أكثر مرونة. ملكية الأراضي واستئجارها بأسعار تنافسية، ما يُمنح المستثمرون الأجانب حق تأجير الأراضي لفترات طويلة تصل إلى 50 عامًا قابلة للتمديد، واستقرارًا استثماريًا. ضمانات قانونية وحماية من التأميم والمصادرة، توفر الحماية للمشاريع الاستثمارية من التأميم أو المصادرة إلا وفق تعويض عادل، ما يعزز الشعور بالأمان لدى المستثمرين. إضافة إلى الاستثمار في مختلف القطاعات، إذ لا يقتصر القانون على قطاع معين، بل يشمل الطاقة، والصناعة، والزراعة، والعقارات، والصحة، والبنية التحتية، ما يفتح آفاقًا واسعة للاستثمارات المتنوعة.
عند مقارنة القانون مع قوانين الاستثمار في المنطقة، نجد مثلاً أن قانون الاستثمار الإماراتي يمنح امتيازات أكبر للمناطق الحرة، في حين يوفر العراق إعفاءات ضريبية أطول.
أما السعودية فتفرض قيوداً على بعض القطاعات أمام الأجانب، وهو عكس ما يحدث في العراق، الذي يكون أكثر انفتاحًا.
في مصر، وبالرغم من اعتمادها بعض القيود على الملكية، يُمنح المستثمرون الأجانب تسهيلات عدة، بينما نرى أن العراق يمنح فترات إيجار طويلة للأراضي.
إذن.. قانون الاستثمار العراقي متقدم في بعض الجوانب، لكنه يحتاج إلى تعديلات لتعزيز الجاذبية للمستثمرين الدوليين.
ستراتيجية الترويج
محورنا الثاني سنتناول فيه (ستراتيجية الترويج الفعّال للاستثمار في العراق)، عبر بناء صورة استثمارية إيجابية للعراق عن طريق إنشاء هوية استثمارية دولية للعراق يمكن تلخيصها بإطلاق حملة (Invest in Iraq)، التي تعتمد على الترويج للعراق كوجهة استثمارية صاعدة. تصميم موقع إلكتروني رسمي يعرض الفرص الاستثمارية ببيانات محدثة ومعلومات واضحة عن قوانين الاستثمار والتسهيلات المقدمة. التعاون مع شركات استشارية متخصصة مثل McKinsey & Company وHenley & Partners لتقديم العراق بصورة جذابة أمام المستثمرين. إنتاج محتوى إعلامي يعكس التطورات الاقتصادية من خلال إعداد تقارير دورية باللغتين العربية والإنجليزية حول النمو الاستثماري في العراق، تُرسل إلى وكالات الأنباء العالمية. وإنتاج أفلام وثائقية قصيرة تعرض قصص نجاح استثمارات أجنبية داخل العراق، تبث عبر قنوات دولية مثل CNN وBloomberg. إضافة لتنظيم لقاءات مع المستثمرين العالميين وإشراكهم في سرد تجاربهم الناجحة داخل العراق عبر وسائل الإعلام.
تصنيفات إيجابية
وفيما يخص مواجهة التقارير الصفراء، يمكن تحقيق ذلك عن طريق تأسيس (مرصد إعلامي اقتصادي) لرصد الأخبار السلبية والتفاعل الفوري معها عبر منصات رسمية. التعاون مع شركات علاقات عامة عالمية مثل Edelman وHill+Knowlton Strategies لضمان وصول المعلومات الدقيقة إلى المستثمرين الدوليين.
كما يمكن التعاون مع المؤسسات المالية والاستشارية العالمية من خلال الشراكة مع الجهات الدولية الموثوقة، منها، البنك الدولي، لضمان إدراج العراق في تصنيفات إيجابية ضمن تقارير (ممارسة أنشطة الأعمال). والوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA)، لتوفير الضمانات ضد المخاطر السياسية، ومؤسسة Henley & Partners، لدعم برامج جذب الاستثمارات وتحليل بيانات المستثمرين.
ويمكن تطبيق تجارب الدول الناجحة مثل الإمارات، كتطوير مناطق اقتصادية خاصة بمزايا ضريبية جاذبة، السعودية في تقديمها الحوافز المباشرة للشركات الكبرى، ومصر، واستخدام الأدوات الإعلامية الحديثة لترويج المشاريع الضخمة.
أما بشأن استقطاب المستثمرين عبر الفعاليات والمؤتمرات فيمكن تحقيق ذلك، من خلال إقامة مؤتمر (الفرص الاستثمارية في العراق) سنويًا بمشاركة شركات عالمية مثل ExxonMobil، Siemens، BP، تنظيم جولات ميدانية للمستثمرين الأجانب داخل العراق لزيارة المشاريع الناجحة، والمشاركة في المعارض الاستثمارية الدولية مثل منتدى دافوس الاقتصادي، وقمة الاستثمار السعودي.
جذب المستثمرين
أما المحور الثالث فهو (تحسين بيئة الاستثمار لجذب المزيد من المستثمرين)، ويمكن تحقيقه، أولاً، عبر تطوير البنية التحتية والمناطق الاقتصادية عن طريق، إنشاء (مناطق استثمارية خاصة) تقدم مزايا ضريبية وإدارية مرنة، مثل المنطقة الاقتصادية بميناء الفاو، تحديث شبكة الطرق والموانئ، خاصة مع مشروع طريق التنمية الذي يربط العراق بأوربا عبر تركيا. ثانياً، إصلاحات تشريعية لضمان الاستقرار الاستثماري، من خلال إدخال تعديلات قانونية تمنح المستثمرين الأجانب حقوقًا موسعة وفقًا لأفضل الممارسات الدولية، وإطلاق منصة إلكترونية موحدة للإجراءات الاستثمارية تقلل من البيروقراطية وتسهل تسجيل المشاريع.
الأخبار المضللة
فين حين سنتناول في المحور الأخير (مواجهة التشويه الإعلامي والتقارير الصفراء)، ويمكن لنا ان نوضح جوانب محورنا الأخير عن طريق النقاط التالية:
* تحليل الجهات التي تقف وراء التشويه الإعلامي، إذ غالبًا ما تكون الجهات المروجة للتقارير السلبية مرتبطة بدول متضررة من استقطاب العراق لرؤوس الأموال، تستخدم هذه الجهات وسائل الإعلام الغربية والعربية لبث تقارير غير دقيقة حول الأوضاع الأمنية والاستثمارية.
* ستراتيجيات لمكافحة الأخبار السلبية عن طريق إطلاق منصة (Iraq Investment Facts )، التي تفند الأخبار الكاذبة بالمعلومات الموثوقة، التعاون مع صحفيين وخبراء اقتصاديين عالميين لكتابة مقالات موضوعية تعكس الواقع الفعلي للاستثمار في العراق، وإشراك المستثمرين الدوليين في حملات الترويج عبر شهادات حقيقية عن بيئة الأعمال في العراق.
ومن ذلك نستنتج التوصيات النهائية التي يمكن تلخيصها بإعادة رسم صورة العراق الاستثمارية عالميًا عبر الترويج الإيجابي، وتحقيق إصلاحات اقتصادية مستدامة تجذب المستثمرين. التصدي لحملات التشويه الإعلامي بحملات احترافية منظمة.
بهذه الستراتيجية، سيتحول العراق إلى أحد أكثر الوجهات الاستثمارية جاذبية في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة.