علي كريم إذهيب
البصرة، إحدى أهم المدن العراقية، تقع جنوبي العراق وتعد عاصمته الإدارية، موقعها الستراتيجي على شط العرب، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات، جعلها مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً منذ العصور القديمة.
هي مدينة قديمة شيدها عتبة بن غزوان في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، لتكون أول مدينة إسلامية بناها العرب خارج شبه الجزيرة العربية، وتعد من المدن العربية الكبرى، إذ تحتل المركز الخامس عشر من حيث عدد السكان، حسب إحصائيات عام 2007.
يعود تاريخ المدينة -بحسب المؤرخين- إلى ما قبل العصور التاريخية، إذ يعتقد الكثير من الباحثين بأن جنات عدن، التي نزل فيها آدم أبو البشر تقع إلى الشمال من مركز المدينة، بالتحديد منطقة القرنة التي تحتوي على شجرة آدم، حسب الاعتقاد السائد هناك، وتبعد عنها 20 كم.
بنيت البصرة على أنقاض معسكر للفرس في منطقة كانت تدعى (الخريبة)، وفيها مدينة أثرية يعتقد بعض المؤرخين أنها بنيت في زمن نبوخذ نصر تدعى (طريدون). وادّعى آخرون أنها مدينة آشورية، حيث كان لهذه المدينة سد يحميها من ارتفاع منسوب مياه البحر، فإن صح هذا فإن طريدون، أو (تريدون)، تكون جنوبي مدينة الزبير، قرب خور الزبير في الوقت الحاضر. بينما يعتقد الرحالة (جسني) أن موقع طريدون هو قرب جبل سنام، الذي يبعد عن جنوب مدينة الزبير بنحو ثلاثة عشر ميلاً، فإذا كان ذلك صحيحاً، فيجب أن يكون خور الزبير، الذي هو امتداد للخليج العربي، يمتد إلى جبل سنام أيام الدولة البابلية.
تاريخ البصرة
تأسست البصرة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عام 14 هـ (636 م) كأول مدينة إسلامية خارج شبه الجزيرة العربية، وأصبحت لاحقاً مركزاً علمياً وثقافياً في العصر العباسي.
الأهمية الاقتصادية
يقول الخبير الاقتصادي من محافظة البصرة بسام رعد في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية”: “تُعدّ البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق بلا منازع، إذ أنها تتمتع بموقع ستراتيجي وثروات طبيعية هائلة تجعلها محركاً رئيساً للاقتصاد العراقي.”
ويضيف أن “للبصرة مكانة مهمة في خريطة العراق النفطية، إذ تحتوي على ما يقرب من 70% من احتياطي النفط العراقي، وهو ما يجعلها مركزاً رئيساً لصناعة النفط، كما تضم الحقول النفطية الكبرى، مثل حقل الرميلة، أحد أكبر الحقول النفطية في العالم، وحقل غرب القرنة، وحقل الزبير.” مشيراً إلى “أنها تصدّر الجزء الأكبر من النفط العراقي عبر موانئها المطلة على الخليج العربي”.
يسترسل رعد بالقول: “البصرة هي منفذ العراق البحري الوحيد، إذ إنها تحتضن موانئ حيوية مثل ميناء أم قصر (الميناء التجاري الأهم)، وميناء خور الزبير المخصص للسلع الصناعية والنفطية، كما تضم ميناء الفاو الكبير (قيد الإنشاء)، وهو مشروع ستراتيجي يهدف إلى تحويل العراق لمركز لوجستي عالمي، فضلاً عن أنها تشتهر بكونها موطناً لملايين أشجار النخيل، وتسهم بشكل كبير في إنتاج التمور التي تُعدّ من أفضل الأنواع عالمياً. وموقعها على شط العرب يجعلها بيئة مناسبة للزراعة، على الرغم من التحديات البيئية”.
ولم يقلل الخبير الاقتصادي من أهمية البصرة من ناحية التجارة الدولية، لقربها من دول الخليج العربي مثل الكويت وإيران، وموقعها المميز يجعلها مركزاً للتجارة الإقليمية والدولية، إضافة الى أنها تضم عدداً من المصانع والمنشآت الكبرى، مثل الصناعات البتروكيماوية والأسمدة. ويؤكد رعد على أن “هناك تحديات تواجه البصرة كعاصمة اقتصادية، منها تلوث المياه والهواء بسبب الصناعات النفطية ونقص الخدمات الأساسية والبنى التحتية وتحديات بيئية نتيجة انخفاض مناسيب المياه وتملح الأراضي الزراعية.”
القانون وملف إقليم البصرة
تقول البرلمانية عن محافظة البصرة زهرة البجاري إن “هناك اختلافاً كبيراً بين البصرة، عاصمة العراق الاقتصادية، وإقليم البصرة، في كون الأخير ليس خارج الضوابط الدستورية والقانونية، إذ إن الأقاليم مُقرة في الدستور العراقي، ويحق لكل محافظة، أو عدة محافظات، وفق الضوابط القانونية أن تعلن إنشاء إقليم.”
تضيف البجاري: “تعد المحافظة مصدرا للموانئ والملاحة البحرية والنفط الخام والموارد الزراعية والصناعية والبتروكيماويات، وأن 90% من موازنة العراق تمول من البصرة، لهذا جرى إقرار قانون البصرة عاصمة العراق الاقتصادية.” مستدركة بالقول إن “إنشاء الإقليم هو حق شعبي وممكن أن يكون عن طريق الانتخابات وفق سياقات قانونية معينة، أما البصرة عاصمة العراق الاقتصادية فهو قانون جرى وضعه من قبل الجهات القانونية ذات العلاقة”.
أسباب عدم تطبيق القانون
بحسب البجاري، فإن تطبيق قانون البصرة عاصمة العراق الاقتصادية تأخر كثيراً، كونه أقر في الدورة البرلمانية عام 2017، ولغاية الآن لم يدخل حيز التنفيذ بسبب عدة عوامل. موضحة أنه “لا توجد جهات سياسية أو تنفيذية تعرقل تطبيق قانون البصرة عاصمة العراق الاقتصادية، لكن هناك أسباباً فنية في التطبيق، وهي مبهمة نوعاً ما.”
أما معاون محافظ البصرة الحقوقي حسن ظاهر النجار فذكر لمجلة “الشبكة العراقية” أن التأخير هو بسبب “عدم تخصيص المبالغ المالية ضمن الموازنة العامة لتساعد الحكومة المحلية للقيام بذلك، ولم يطبق القانون بسبب أمور تخص الموازنة المالية العامة وأمور تنظيمية داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومحافظة البصرة.”
فيما تقول البجاري: “في موازنة عام 2023 أضيف التخصيص المالي لتطبيق القانون، إلا أن هناك عدم جدية من قبل محافظة البصرة والأمانة العامة لمجلس الوزراء في تطبيقه.”
وتبقى البصرة ليست مجرد مدينة عراقية، بل هي العمود الفقري للاقتصاد العراقي، لذا فإن ضمان استمرار دورها، كعاصمة اقتصادية، يحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية، وتحسين الخدمات، وحل المشكلات البيئية التي تؤثر على سكانها ومواردها.