دعماً لجهود مكافحة الوباء.. متطوعو الأمل يصنعون الكمامات

#خليك_بالبيت

آية منصور/

كان تأثير فايروس كورونا بالغاً على الحياة وعطل الكثير من اعمالنا وغير سلوكنا واسلوب حياتنا، لكنه لم يوقفها، وفي وسط هذه المحنة ترك المتطوعون اثراً سيبقى عالقاً يحكي قصة التكاتف ويؤكد القيم العظيمة التي الهمتهم الحماس والتحدي.
لقد بعث فايروس كورونا الروح التطوعية في الشباب العراقي.. شباب من مختلف المحافظات والمدن، يجمعهم هدف واحد: حماية الناس بواسطة أيديهم التي تمنح الحياة عبر صناعة الكمّامات محلياً وتوزيعها بين المواطنين.
لا شيء سوى ماكنة الخياطة
حسن فؤاد (21عاماً)، الطالب الذي يدرس في قضاء الشطرة، عاد بعد تفشي وباء كورونا إلى عائلته المقيمة في البصرة. حسن، الذي حسب قوله، لا يملك شيئاً سوى دراسته وبعض المهارات التي اكتسبها في حياته، فكر كثيراً بضرورة إيجاد بدائل لنقص الكمّامات، فلم يجد غير آلة الخياطة الخاصة بوالدته:
– منذ صغري تعلمت على يد أمي الكثير من الأمور الخاصة بالخياطة، فكنت أساعدها في كثير من التفاصيل، فأتقنت المهنة بحرفية.
البحث عن التطوع
عند تفشي الوباء، طلب حسن من أصدقائه في مواقع التواصل الاجتماعي، إيجاد مكان مناسب يمكن فيه التطوع لخياطة الكمّامات وتوزيعها للمحتاجين، فتم رفده بفريق كبير من المتطوعين الشباب الذين كرّسوا أيديهم لصناعة الكمّامات بكميات كبيرة وتوزيعها في جميع مناطق البصرة:
-التقيت المتطوعين وكانت الفكرة أن نخيط عدداً مناسباً بشكل يومي من الكمّامات، وحسب مواصفات الكمامات المتوفرة في الأسواق.
اِعمل للآخرين من منزلك
لكن والد حسن رفض بشدة خروجه من المنزل خشية عليه من الوباء، رغم محاولات جميع المتطوعين مع الوالد، فاقترح أن يساعدهم من منزله وبماكنته، ليقوموا بتوفير المواد له بشكل يومي، وعند نهاية اليوم يتسلمون الكمية منه:
-أصنع ما يقارب الـ80 كمّامة في اليوم الواحد وبمعدل ست أو سبع ساعات يومياً، وبقياسات حقيقية، وباعتمادنا لاصقاً خاصاً ليضاهي جودة الأصليات.
كمّامة عراقية الصنع
ولصناعة الكمّامة يشتري حسن وأصدقاؤه المتطوعون المستلزمات الخاصة بالكمّامات كافة من حسابهم الخاص، وأحياناً بمساعدة أصحاب محال الأقمشة أو التجار، لتبدأ مرحلة خياطتها بمهارة، وذلك بوضع طبقتين من المناديل تساعد في جعل الكمّامة مناسبة أكثر، ثم خياطة الحواف من الأعلى والأسفل، ووضع ثلاث ثنيات حول الأنف لتساعد الكمّامة في التثبت على الوجه.
الشرطة والباعة المتجولون
وأثناء هذه المدّة، استطاع حسن ورفاقه توزيع الكمّامات بين أصحاب الدخل المحدود والباعة المتجولين في الشوارع، لأنهم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، فضلاً عن كثير من الكوادر الأمنية، وحتى الطبية، إذ يسهم الفريق بأكمله بإنتاج ما يقارب الـ 1000 كمّامة في اليوم الواحد.
لا تترك المتجر وحيداً
أما كرار أحمد، خريج معهد المحاسبة في ميسان، فلم يجد مكاناً يستطيع فيه العمل بشهادته، إلا أنه قادر وبطريقة كبيرة على الخياطة، فافتتح متجراً خاصاً بالمستلزمات العسكرية وخياطتها، وكانت الفكرة أن يتطوع لخياطة الكمّامات بعد نفادها من الأسواق والصيدليات وبحث الناس عنها دون جدوى:
– بدأت العمل في متجري الصغير، ورغم فرض حظر التجوال كنت أجلس داخل المتجر وأقفله فقط لأجل صناعة الكمّامات، صنعتُ أكثر من 300 واحدة حتى اللحظة.
يوزع كرار كمّاماته، المصنوعة من اللاصق وشريط الوقاية، بين دوريات الشرطة والكوادر الأمنية التي تلزم أماكنها رغم تفشي المرض من أجل خدمة المواطنين.
التطوع كيفما وأينما كان
فيما يؤكد وليد أركان، طالب الهندسة في جامعة بغداد، والمقيم في البصرة، أنه ومجموعة من شباب البصرة، اعتادوا العمل التطوعي وخدمة الإنسانية بمختلف المواقف والمبادرات، إذ كانوا حاضرين في كل شدّة وأزمة تعاني منها المحافظة، بصلابة وشموخ، فما بالك حين داهم فيروس كورونا هذه المحافظة، بالطبع لم يبقوا مكتوفي الأيدي، هذا ما يوضحه لنا وهو يحدثنا بالقول:
– جميعنا طلبة إعدادية أو جامعات، وهدفنا الأساسي هو التطوع من أجل رعاية الآخرين، وحين انتشر المرض في محافظتنا، قررت الاجتماع بهم من أجل إيجاد خطة عمل تطوعية ولم يكن الموضوع سهلاً في بادئ الأمر.
الكمّامات هي الحل
يوضح وليد أنهم كانوا في حيرة من أمرهم في ما يجب عليهم حقاً فعله في توفير المساعدة الحقيقية والملموسة للآخرين، فكانت المقترحات متنوعة، ومنها تكوين فريق لمساعدة وإنقاذ للأطباء، أو توزيع الطعام على المتعففين، أو غيرها من المهمات. كانت أفكارهم، وحسب قوله، مشتتة، لكنهم في الأخير يرغبون في تقديم المساعدة، وهذا ما كان فيما بعد:
– الاتفاق فيما بعد أصبح خاصاً بصنع الكمّامات بعد نفادها من الأسواق، فجمعنا تبرعات من دخلنا الخاص وأيضاً حصلنا على بعض ماكنات الخياطة من متطوعين، وباشرنا العمل.
الفريق الذي لا يهدأ
انقسم العمل بين فريق “تكاتف لصناعة الكمّامات” بين أقسام عدة، وأعداد المتطوعين بدأت بالتزايد شيئاً فشيئاً، حتى تمكنوا من اتخاذ بناية إحدى المدارس الأهلية مقراً لهم، ويكبر الفريق أكثر ولتصبح لهم اليوم أربعة فروع في مناطق البصرة:
– هناك قسم يصمم الكمّامات، وآخر يتولى التصنيع، والقسم الثالث يجمع التبرعات، والرابع يوزع على من يحتاج، كان هدفنا أن نصنع 100 كمّامة في اليوم، لكننا اليوم أصبحنا ننجز ما لا يقل عن 3000 كمّامة في اليوم الواحد.
افتقار كبير للدعم
ويوضح وليد أن الفريق التطوعي بأكمله لم يحصل على أي دعم مادي سواء أكان من جهات حكومية أم من منظمات، وأن كل ما يصدره هو نتاج تطوع المواطنين والمتطوعين أنفسهم:
– لا نحصل على الدعم، لكننا نحصل على التسهيلات والتخويل بالمرور من قبل القوات الأمنية لكوننا فريقاً معترفاً به يطمح لمساعدة الآخرين.