مع استمرار انقطاع الكهرباء.. هل تنجح “الخصخصة” من جديد؟

بغداد / علي كريم

لم يكن أمام الشعب العراقي الذي يعاني من حرارة الصيف اللاهبة التي تخطت حاجز الـ 50 درجة مئوية، إلا أن يعتمد على المولدات الأهلية التي تنتشر بين الشوارع الفرعية والأزقة في جميع مناطق العراق، للتغلب على أزمة الطاقة الكهربائية التي باتت هاجساً مزعجاً للمواطن العراقي والجهات الحكومية، التي تتكرر كل عام لعدة أسباب، في مقدمتها زيادة الطلب الذي يرتفع سنوياً مقارنة بحجم الإنتاج المحلي.

مع وجود 6 ملايين و700 ألف مشترك في خطوط المولدات الأهلية، بحسب الأرقام الرسمية، فإن تسديد كل مشترك أجوراً شهرية تبلغ 30 ألف دينار فقط – وهو الرقم الأدنى لأي اشتراك- يعني تجاوز المبالغ المدفوعة للمولدات الـ 200 مليار دينار شهرياً. في كل الأحوال تظل إحصائيات نفقات المواطنين المسجلة على الكهرباء مؤشراً على أن الحصة الأكبر من إيرادات بيع الكهرباء في العراق تذهب إلى المولدات الأهلية بدلاً من وزارة الكهرباء.
وفي خطوة لإنهاء ملف المولدات الأهلية، تسعى الحكومة إلى تطبيق تجربة خصخصة الكهرباء، التي سبق لوزارة الكهرباء تطبيقها في عام (2014)، وأثبتت نجاحاً في المناطق التي طُبقت فيها، مقارنة مع ما تقدمه المولدات الأهلية للمواطن، إلا أن المشروع واجه انتقادات سياسية وأخرى شعبية بذرائع مختلفة، فتوقفت توسعته في بقية مناطق بغداد والمحافظات الأخرى.
تجربة ناجحة
المواطنة رغد الدليمي، التي تسكن حي زيونة، تصف مشروع (خصخصة الكهرباء) بالتجربة الناجحة، قياساً بأحياء بغداد الأخرى. وتقول لمجلة “الشبكة العراقية”: “أحصل في منزلي على كهرباء وطنية 24 ساعة، ما أنهى معاناتي مع أصحاب المولدات الأهلية.” مضيفة: “المنطقة التي أسكنها لا تشهد انقطاعاً في التيار الكهربائي، إلا كل (4-6) أشهر قد يصل إلى 20 ساعة ليوم واحد فقط، وذلك بسبب إجراءات الصيانة والعطب، أما في بقية الأيام فإننا نتمتع بكهرباء مستمرة.”
الحل الأنسب
يثير مشروع خصخصة الكهرباء الكثير من النقاشات داخل أروقة مجلس النواب. النائب الأول لرئيس لجنة الكهرباء والطاقة البرلمانية الدكتور وليد السهلاني يؤكد في حديثه لـ “الشبكة العراقية” أن “العاصمة بغداد تستهلك 9000 ميكا واط من التيار الكهربائي، وهو رقم كبير جداً مقارنة بالعديد من دول العالم.”، مضيفاً أنه “قبل التفكير بتطبيق تجربة (خصخصة الكهرباء) يجب البدء بإحداث نقلة نوعية في بنية التفكير الحكومي، بدءاً من موضوع الإنتاج المحلي ومعالجة بطء اتخاذ القرارات الحكومية التي تحتاج إلى سنة أو سنتين، التي تفتقر للتخطيط أيضاً.”
ويشير السهلاني إلى أن “هناك عشرات الآلاف من الأحياء السكنية، ولاسيما الزراعية منها، بحاجة إلى الكهرباء بسبب النمو المتسارع، مع تصحيح عمل قطاع التوزيع.” مؤكداً أنه “يجب تنظيم عمل الجباية، لأنها الحل الأنسب لأزمة الكهرباء، على الأقل في المناطق الصناعية والمولات التجارية، فضلاً عن تأهيل المناطق من خلال تحسين الشبكات وفك الاختناقات الكهربائية للتخفيف عن كاهل المواطن.” وحدد السهلاني نجاح الخصخصة في بغداد والمحافظات بتنظيم عملية الجباية الحكومية، التي نجحت في مدينة بسماية.
تفاقم التضخم
بدوره، يرى الخبير في شؤون الطاقة نبيل المرسومي، في حديثه مع “الشبكة العراقية” أن “تحرير سوق الكهرباء وخصخصته في بلد مثل العراق، الذي يعيش فيه نحو ربع السكان تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من ثلث الشباب من البطالة، سوف يفاقم الظروف المعيشية الصعبة للسكان، ويزيد من مساحة الفقر والبطالة، ويقلل من فرص حصول الفقراء على الطاقة، ويؤثر سلباً على السلم الاجتماعي، كما أن اتخاذ مثل هذا القرار سوف يؤدي إلى تفاقم التضخم، ما سيخفض كثيراً من القدرة الشرائية للمواطنين، وبالذات الفقراء وأصحاب الدخول الثابتة.”
يتابع المرسومي قائلاً: “قد يعترض بعضهم على هذه الرؤية، ويقول إن تجربة الخصخصة قد نجحت في مناطق معينة في بغداد، وهذا صحيح، لكن ما جرى اعتماده ليس بالخصخصة، إذ إن الدولة مستمرة بدعم الكهرباء التي تزود بها هذه المناطق وبنسبة تزيد على 90%، وأن ما يحصل حالياً في بسماية ومناطق أخرى في بغداد هو تطبيق جيد لنظام الجباية، وهو ما نحتاج فعلاً إلى تطبيقه في كل العراق.”