علي كريم ذهيب
تتسابق الأحداث في العالم اليوم بصورة لم يسبق لها مثيل، فما بين حرب هنا وأزمة اقتصادية هناك، تلعب التكنولوجيا العصرية الدور الأبرز في صناعة ملامح المرحلة المقبلة، ضمن ما يعرف باسم التحول الرقمي أو “digital digital transformation transformation”، وهو ما بشرت به الدول قبل مرحلة كورونا والأزمات التي تلتها، وخبت ناره لفترة وجيزة، لكنّه ما يزال يمثل العمود الفقري للمستقبل بكل تجليّاته.
في ظل العاصفة التكنولوجية التي تجتاح العالم اليوم، سيؤدي ذلك إلى انكماش الأداء الخاص بكل دائرة أو شركة تقنع نفسها بأن الابتعاد عن التكنولوجيا الرقمية قد يعفيها من متطلبات المستقبل، أو تلك الشركات التي ترفض هذه الفكرة من حيث المبدأ.
فالتحول الرقمي الذي بات منهج تعامل يومي مع الجهات والمؤسسات الدولية والعالمية والشركات الكبرى، سوف يفرض نفسه بقوة في واقعنا المأزوم، وبالتالي ستقترن حالة الثبات والاستمرارية لكل شركة من الشركات بمدى استجابتها لتطورات العصر ومحفزاته، وبقدرتها على التأقلم مع جديد المعرفة وجديد التكنولوجيا وجديد البرامج وحداثة منهجيات التفكير والتنفيذ.
كان العراق من أبرز تلك الدول التي بدأت، وبسرعة، في الشروع بمراحل التحول الرقمي الذي ساد التعامل به على المستويين الحكومي والشعبي، حتى أنه رفع من نسب نمو الاقتصاد العراقي (وفق البنك الدولي)، الذي قال إن الاقتصاد العراقي انكمش بنسبة 2.2 في المائة عام 2022، متوقعاً نموه بنسبة 1.4 في المائة في 2024 و5.3 في المائة في 2025.
مجلة “الشبكة العراقية” لم تغب يوماً عن الأحداث الاقتصادية والمالية المتسارعة في العراق، إلا وبحثت واستقصت المعلومات عن كثب، لذا فإنها بحثت في هذا العدد عن المنصة التي أطلقت من قبل مجلس محافظة بغداد والتي حملت اسم (بغدادنا).
ما منصة بغدادنا؟
يحدثنا عن ذلك رئيس لجنة الحوكمة الإلكترونية والاتصالات في مجلس محافظة بغداد، المهندس مثنى العزاوي، قائلاً: “نعلن تأسيس لجنة الحوكمة والاتصالات لإدارة التحول الرقمي في محافظة بغداد.” مبيناً، أن “هذه اللجنة هي الأولى من نوعها في المحافظة، التي تستهدف تبني وإدارة ملفات التحول الرقمي وتقديم الخدمات الإلكترونية للمواطنين.”
وأوضح أن “أول أعمال لجنة الحوكمة والاتصالات هو الشروع بإعلان منصة (بغدادنا)، وهي المنصة الحكومية الرسمية التي ستمثل محافظة بغداد، لتقديم كل الخدمات إلكترونياً.” مؤكداً في الوقت نفسه أن “المنصة ستقدم أكثر من 25 خدمة حقيقية للمواطنين من خلال الأجهزة الذكية.”
يضيف العزاوي أن “هدف لجنة الحوكمة والاتصالات هو بناء حكومة محلية ذكية تقدم خدماتها للمواطنين عبر الأجهزة الذكية، إذ سيتمكن المواطنون من التقديم على الخدمة من خلال منصة واحدة، وتقوم المؤسسات الحكومية باستكمال بقية الإجراءات إلكترونياً.” منبهاً إلى أن “حكومة بغداد المحلية ستتولى رسم السياسات العامة للمحافظة، مع ممارسة دورها في التخطيط والرقابة والتشريع في المؤسسات القطاعية.”
ودعا العزاوي المهتمين كافة في مجال التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات والباحثين ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، ممن لديهم تجربة رائدة في هذا المجال، إلى زيارة اللجنة والاطلاع على المشاريع وإمكانية توفير الأموال لغرض تبنيها وإطلاقها.
أول المشاريع
بدورها، قالت مسؤولة الإعلام الرقمي في لجنة الحوكمة الإلكترونية والاتصالات بمجلس المحافظة الدكتورة إسراء الجوراني لمجلة “الشبكة العراقية” إن “منصة (بغدادنا) هي أول المشاريع والخطط المستقبلية في التحول الرقمي وتكنولوجيا الاتصالات التي أطلقتها لجنة الحوكمة والاتصالات في مجلس محافظة بغداد، التي تهدف إلى تقديم أكثر من 25 خدمة إلكترونية للمواطنين عبر الأجهزة الذكية، قابلة للزيادة في جميع المجالات والقطاعات، ومنها الصحة والتربية والتعليم والماء والكهرباء، فضلاً عن التشجير.”
تستطرد الجوراني بالقول: “من أولويات منصة (بغدادنا) كيفية إيصال استخدامها لسكان مناطق أطراف العاصمة، ومن ثم إلى مركز المدينة. بعد ذلك سيجري تشكيل فرق تطوعية متخصصة في هذا المجال للتعليم بكيفية توعية المواطن واستخدام المنصة، إضافة إلى أنها ستتضمن خدمة مخصصة للشرائح والفئات المتضررة في المجتمع العراقي.”
عن الخدمات الأخرى التي ستقدم للمواطن البغدادي عن طريق المنصة قالت الجوراني إن “المستقبل القريب سيشهد إطلاق العديد من الخدمات بعد إكمال ما نسبته 85 % من إنجاز المنصة بشكل عام.” وعن آلية تعامل هذه المنصة مع الأنظمة والأجور والجباية المالية، أشارت الجوراني إلى أنه “سيكون هناك دور رقابي على جميع المؤسسات والدوائر الحكومية المرتبطة بمجلس محافظة بغداد، التي ستكون ملزمة بتنفيذ وتطبيق جميع قرارات وخدمات المنصة.”
وكانت وزيرة المالية طيف سامي قد ذكرت، في منتصف الشهر الجاري، أن “الأتمتة تلعب دوراً حيوياً في الحد من الفساد وتقليص الفاقد المالي، فضلاً عن نظام الدفع الإلكتروني (pos) كخطوة لتسريع إنجاز المعاملات، والحد من الفساد المالي والإداري وتوفير الكثير من الوقت والجهد وتطبيق مشروع حساب الخزينة الموحد الذي يمثل نقلة نوعية في إدارة المال العام من أجل مواكبة التقدم المالي والاقتصادي.”
هيكلة العمليات
بدوره، قال الخبير الاقتصادي رعد الدفاعي لـ “الشبكة العراقية” إن “التحول الرقمي يشير إلى دمج التكنولوجيا الرقمية لإعادة هيكلة العمليات وإعادة تصور المنتجات والخدمات في جميع مجالات الأعمال. يفوق هذا المفهوم مجرد استخدام أدوات تقنية جديدة، إذ يتطلب إعادة تفكير عميق في طريقة سير العمل، فهو رحلة شاملة تتطلب تغيير الثقافة والمهارات والنماذج التشغيلية لتحقيق التكيف مع العصر الرقمي.”
مشيرا إلى أن “رحلتنا في هذه الحياة مع التكنولوجيا، التي باتت تخترق كل جوانب حياتنا الفردية والمؤسسية والعامة، هي رسالة لعقولنا بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة التفاعل السريع مع تكنولوجيا نوعية، ستسهل على من يتعاطى معها إدارة شؤونه ومتطلبات مؤسساته وضرورات الواقع مهما اختلفت.”
يضيف الدفاعي أن “الوعي الحقيقي في هذه المسألة يحتم علينا أن نكون جاهزين لاستقبال هذا الكم من التكنولوجيا العصرية الحديثة، والقدرة على التعامل معها، وتأهيل العاملين في كل مؤسساتنا العامة والخاصة، لكي يكونوا مستعدين للتعامل مع تحديات لم يألفوها من قبل، فهذه التكنولوجيا العصرية باتت تدخل في صلب العمل الإداري والأرشفة والعلاقات الدولية والتجارة الإلكترونية والتسويق وبناء الشراكات وإبرام العقود.
كذلك يفوق تأثير التحول الرقمي الحدود التقليدية للشركات ليشمل تعزيز التعاون والتواصل داخل المؤسسات، بما يتيح الأدوات الرقمية، مثل الحوسبة السحابية والمنصات التعاونية، للعمل الجماعي أن يكون بشكل أكثر فاعلية، بغض النظر عن التباعد الجغرافي.”