زياد الهاشمي
عاد ملف ميناء مبارك الكويتي إلى دائرة الضوء مجدداً بعد قيام الحكومة الكويتية بالموافقة على إعادة إطلاق الأعمال في مشروع هذا الميناء في جزيرة بوبيان، بزيادة قدرها 10 أضعاف المساحة المقررة سابقاً، لتصبح المساحة الكلية للمشروع 116 مليون متر مربع. وتقسم هذه المساحة لتشمل مناطق عدة منها 490 هكتاراً للميناء البحري و1047 هكتاراً لمنطقة خدمات الميناء والطريق البري الرابط، و165 للمنطقة الحرة و185 لمركز الصناعات الخفيفة، وبقية المساحة تكون للاستخدامات الحكومية.
وحسب مصادر كويتية فإن هذه الزيادة في المساحات تهدف إلى تنويع وتوسيع قاعدة المشاريع لكي تضاف إلى مساحة الميناء البحري، في إطار ستراتيجية الكويت لتحويل ميناء مبارك إلى نقطة محورية رئيسة في التجارة العابرة للحدود، وما يرتبط بها من صناعات وخدمات لوجستية وقيمة مضافة.
وقد توصلت السلطات الكويتية إلى اتفاق أولي مع شركة صينية لتنفيذ مشروع الميناء وما يلحقه من مدينة الحرير اللوجستية، حسب تفاهمات كويتية صينية، لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي ليشمل اتفاقيات خاصة مرتبطة بمشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية.
الاتفاق الكويتي الصيني
ما يثير الانتباه حقاً، هو أن السلطات الكويتية، بعد توقف دام سنوات، عادت فجأة لتفعيل ملف إنشاء ميناء مبارك، والدخول في اتفاقيات مُحَدَثّة مع الصين، على الرغم من انتفاء الحاجة لهذا الميناء، مع وصول عمليات إنجاز ميناء الفاو العراقي إلى مراحل متقدمة تبشر بالبدء بتشغيله خلال العام المقبل، ما قد يؤشر إلى أن الأهداف الكويتية قد تعدت هذه المرة مسألة التنافس بين الموانئ، وانتقلت إلى درجة أعلى وأكبر تتعلق بالتنافس مع العراق على حصص في قطاع اللوجستيات وخدمات القيمة المضافة وعمليات سلاسل الإمداد الصينية، وهذا ما يمكن استقراؤه من طبيعة الاتفاق الكويتي الصيني، الذي يركز على جانب التوسع اللوجستي ضمن مساحة مشروع الميناء، وربط مدينة الحرير الكويتية مع مراكز التصنيع الصينية في سلسلة إمداد واحدة.
هذه التطورات في ملف مشروع ميناء مبارك، من غير المستبعد أنها جاءت نتيجة متابعة كويتية حثيثة لطبيعة النموذج الحالي لمشروع طريق التنمية الذي يركز بشكل رئيس على إنشاء مسارات النقل البري والسككي أولاً وقبل بقية المشاريع المتعلقة بالخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد.
مسارات التنمية
التباين الواضح في سلم الأولويات في نموذج مشروع طريق التنمية، قد يكون هو الذي حفّز الكويت على إعادة إحياء مشروع ميناء مبارك بنموذج لوجستي موسع، يستغل فرصة تأخر إنشاء مراكز الخدمات اللوجستية لطريق التنمية، للتحرك سريعاً وإنشاء مركز الحرير وجذب سلاسل الإمداد الصينية والتصنيع داخل الكويت، والاستفادة من المسارات المستقبلية لطريق التنمية (التي يركز العراق على إنشائها وتشغيلها قبل أي شيء آخر) لتصدير المنتجات نحو الأسواق التركية والأوربية، عبر الجغرافيا العراقية.
وقد يعتقد البعض أن العراق يمكن أن يوقف حركة البضائع الكويتية عبر مسارات التنمية، وهذا اعتقاد يجانب الصواب، فالمسارات السككية لطريق التنمية ستكون في كل الحالات تحت إدارة شركة دولية متخصصة، لها تعاقدات مع الحكومة العراقية لتشغيل وإدارة وتسويق خدمات النقل لطريق التنمية، وجذب زبائن إقليميين ودوليين لاستخدام الطريق بحرية كاملة، ومن هؤلاء الزبائن الشركات اللوجستية في منطقة الحرير وميناء مبارك الكويتي، التي لن تستطيع السلطات العراقية منعها من استخدام خدمات الطريق، بسبب طبيعة عقود التشغيل والإدارة لمسارات سكك التنمية، التي تتطلب إعطاء الحرية للمشغل في عملية تسويق وجذب الزبائن والحركة التجارية لتحقيق العوائد المستهدفة.
طريق التنمية
الحكومة العراقية تعمل على مدار الساعة لاستكمال كل البنى التحتية لمشروع ميناء الفاو ليصبح جاهزاً للعمل واستقبال السفن، ويحتاج الآن تحركاً سريعاً لإعادة تحديث نموذج طريق التنمية وإعطاء الأولوية لمشاريع اللوجستيات والمدينة الاقتصادية، والبدء بمفاتحة الجانب الصيني للدخول في شراكات انشائية وتشغيلية تتضمن ربط سلاسل الإمداد الصينية واستقطاب جزء من عمليات بعض الصناعات الصينية التي تتطلب قرباً جغرافياً من أوربا، والاستفادة من الافتتاح القريب لميناء الفاو الكبير لتسويق هذا النموذج إقليمياً ودولياً لجذب المزيد من الاستثمارات في قطاعات الأعمال المرافقة، كلوجستيات الطرفين الثالث والرابع، وغيرها من خدمات متقدمة ترتبط مع سلاسل الإمداد الدولية، وتستفيد من المسارات البرية لطريق التنمية للتصدير شمالاً وجنوباً. بهذا النموذج المعدل ستكون الأولوية للزبائن العراقيين وللمنتجات الخارجة من المراكز الاقتصادية الجديدة، وحينها ستكون الفرصة أمام ميناء مبارك ومدينته اللوجستية أصعب بكثير في المنافسة أو التأثير على مشاريع النقل العراقية، ولن تكون شركات الحرير الكويتية في أحسن الأحوال، إلا مع زبائن ثانويين كبقية المستخدمين المحتملين لمسارات الطريق.